هذا العنوان شطر من بيت لمهندس الكلمة المبدع الأمير بدر بن عبدالمحسن. لم يكن بيتاً موغلاً في التفاخر بقدر ما هو تعبير عن شخصية الدولة وتوجهاتها. وعندما نقول شخصية الدولة، فإن المعنى هنا هو الوفاء بالاستحقاقات التي يتوقعها منك الآخرون في هذا العالم، وهي استحقاقات من المهم معرفة أنها تاريخياً ضربت في عمقها قروناً من الثقة في إدارة الحكمة والاستقرار، والصدق في المكاشفة وعدم التلّون في المواجهة أو تغيير المواقف. المشهد العالمي الجديد اليوم يتشكل؛ حيث ما يبدو أنه صراع النظام الجديد بين الشرق والغرب تحت غطاء النزاع الروسي-الأوكراني، وهنا يجب ملاحظة قيمة المملكة في حكمتها عند التفاعل مع هذا الحراك العالمي من حيث التموضع الواعي بأهمية أن تكون صاحباً للكل، وقيادة دور الوساطة لدعم التسويات السلمية، وتعزيز الرسالة الواضحة في تحقيق استقلاليتها الإستراتيجية. من السخرية، المواربة والانقلاب الغريب في طرح بعض وسائل الإعلام الغربية ولاسيما الأمريكية التي كانت تسومنا سوء العذاب وتنتقدنا في كل شاردة وواردة، لتتحول اليوم هذه الوسائل إلى حمل وديع، ولتتحول أيضاً ك«القط» الذي يستعين بحيل ناعمة لاستمالتنا، في تجاهل أو نسيان للمبدأ الثابت لدى المملكة والذي لا يتأثر بالمواقف والأحداث العابرة بقدر ما يتأثر بالتغير في المبادئ لدى الآخرين. لكن أجد في هذه الوداعة الجديدة من قبل هذه المؤسسات شيئاً من الاحتقار لنا، فهو يفترض كما لو كنا بلا ذاكرة. وشخصياً أعتبر هذا الخطاب الجديد الذي لم نعهده منها من قبل، هو قناعة منها أو رسالة ضمنية أننا قد نروّج لدعاياتها وقصصها وتعزيز شعور أو فكرة بأنهم أعرف بمصلحتنا منا. وفي ظل هذا الحراك، أعتقد أن المعركة الإعلامية على المستوى الدولي هي الأهم، لذا لا يجب أن نترك لأحد الفرصة لأن يستخف بنا إعلامياً، وتحديداً من وسائل إعلام أمريكية، والحذر في تفاعلنا عبر قنواتنا ووسائلنا مع محتواهم وأخبارهم وقصصهم عبر عدم إعادة تدويره واستهلاكه، لأنه يحقق لهم الهدف الذي يريدونه. كما يجب ألا ننسى أن التفاعل إعلامياً مع الأجندة التي يفرزها الصراع الحالي هو مدفوع بالتاريخ الجديد وصراعاته وتحولاته، لذا لا مصلحة لنا إعلامياً في الترويج على نحو سلبي لمصلحة فريق على آخر، والاحتكام في ذلك لمصالحنا الإستراتيجية التي تحددها الدولة وتوجهاتها. وختاماً، يجب أن نتذكر أن جزئية مهمة في قراءة أي موقف سعودي، فمن يعرف تاريخ المملكة، سيكتشف أنها لطالما بقيت ملتزمة بمبدئها التاريخي منذ التأسيس، وهو البقاء في موقف صناعة التأثير، وقد يكون ذلك عبر أوجه كثيرة، ومنها الحياد المؤثر، وهو هنا يعني لعب دور لا يضر بمصالحي، وبعدها الاستعداد للعب دور بناء يبعث على الاستقرار والتسوية اللذين يستفيد منهما كل العالم.