«أمرنا بما هو آت: يكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم «يوم التأسيس»، ويصبح إجازة رسمية». ليس هذا القرار التاريخي غريبًا من عاشق التاريخ السعودي وحافظه الأوثق، ملكنا المُسدَّد سلمان بن عبدالعزيز، ولا من عضيده وأمين سره ولي العهد، الذي يعمل ليل نهار، لينسج ماضينا العريق مع أجمل ما جاءت به الحضارة، ويبدع منهما معًا كسوةً فريدةً، تجعل حضور وطننا العظيم على الساحة كما يجب أن يليق به. في فبراير من عام 1727م أسس الإمام محمد بن سعود الدولة الأولى، التي جدَّد دورها الثاني الإمام تركي بن عبد الله عام 1824م، وجدَّد دورها الثالث عبدالعزيز بن عبدالرحمن صقر الجزيرة عام 1902م، وفي عام 2022م أمر الحاكم السابع من ملوك الدولة الثالثة أن يكون يوم التأسيس، قبل ثلاثة قرون، ذكرى وطنية تتجدد كل عام. فما دلالات ذاك الأمر الكريم؟ هل هو تنبيه للغافل، بأننا لسنا دولة طارئة على مفترق طرق، إذ إنَّ تأسيس الدولة سابق على تأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية من المستعمرات الأوروبية في العالم الجديد عام 1776م، بتسع وأربعين سنة، وسابق على الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789م، باثنتين وستين سنة؟ أم هو تذكير للجاحد، بأننا لسنا دولة أفرزتها الثروة النفطية التي لو زالت لما بقي لها من المجد والتاريخ شيء! بأن تأسيس الدولة السعودية سابق لإنتاج أول برميل نفط من أراضيها عام 1938م، بأكثر من قرنين من الزمان؟ أم هو تأكيد للمخلص، بأننا شعبٌ أسَّس أجداده تلك الدولة/القارة، بوحدتهم وعزائمهم، قبل عتادهم وجيوشهم، فهو شعب يحمل في تكوينه الجيني أسباب البقاء والتفرد، والصمود والتجدد، لأن المعنى أبقى من اللفظ، والروح أبقى من الجسد؟ هل الأمر الكريم بتخليد ذكرى يوم التأسيس هو كل ذلك؟ الجواب: نعم هذا الأمر الملكي هو تحفيز لشباب الوطن وشاباته من أجل استثمار شبابهم في معالي الأمور وعظائم الأهداف، كأولئك القادة القدوة، فالإمام محمد بن سعود أسس الدولة الأولى وهو في الثلاثينات من عمره وجعل منها نبراسًا للأمان، والإمام تركي بن عبدالله جدَّد المرحلة الثانية وهو في الأربعينات من عمره وجعل منها مفخرة للعرب، وبدأ عبدالعزيز ملحمة التوحيد باسترداد الرياض وعمره 26 سنة وجعل منها نموذجًا للدولة الوطنية الفذة، وها هو ذا خادم الحرمين الشريفين يختار لقيادة رؤية الوطن ولي عهده الشاب، الذي ينفق زهرة شبابه في رحلة الطموح نحو عنان السماء، لينتظم مع أجداده في قائمة عظماء الشباب الذين أسسوا وبنوا حضارات فريدة، ولا غرابة في ذلك فهم على خطى أحفاد الصحابة، كعبدالرحمن الأول صقر قريش، مؤسس الدولة الأموية الفتية في الأندلس وهو ابن 26 سنة! غير أن الدلالة الأغلى لهذا القرار التاريخي هي «الوفاء»: الوفاء من الأحفاد للأجداد، ومن الملوك للأئمة المؤسسين، ومنذ التأسيس إلى اليوم ماتزال بلادي في تألق وازدهار. عش ألف عام للوفاءِ وقلَّما ساد امرؤ إلا بحفظ وفائه