من أربعين عاماً إلا قليلاً عندما كنت أزور وزارة الصحة طفلاً مع أبي (أطال الله في عمره)، كانت مباني الوزارة قديمة الطراز والإمكانيات في ذلك الزمان. مكاتب قديمة تعلوها غبرة، في مبانٍ متهالكة. والمعاملات تدخل غيابة الجب فلا تعود، وبرزخ زمني منفصل عن واقع الحال. في ذلك الزمان لم يكن للمستثمر صريخ ولا نصير. زمان ما قبل ثورة الرقمنة، وثورة المعلومات، وثورة الأتممة. منذ ذلك الزمن وحتى 5 سنوات سابقة فقط، كان تحدي الحصول على مستندات أساسية كالنظم ودلائل العمل والتعميمات المتعاقبة سراً كهنوتياً يحمله القلة من قدامى العاملين في الوزارة. ومهما تقدمت كل الوزارات ولحقت بالعصر الحديث، ظلت وزارة الصحة وزارة متشبثة بالماضي العتيق. وجاءت كورونا وذهبت (أو تكاد)، وفي جولة لقيادات القطاع الصحي السعودي الخاص، بدعوة من وزير الصحة المهندس فهد الجلاجل، خلال الزيارة دخلنا في آلة الزمن وأصبحنا في القرن الواحد والعشرين. شاهدنا وزارة الصحة؛ وزارة رقمية ! في تحول مبهر وتغير منقطع النظير. لن أتحدث عن مبنى الوزارة في المدينة الرقمية كتحفة معمارية من الخارج، ولن أتحدث عن التصميم الداخلي الذي يشبه شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، مساحات عمل مريحة للإبداع المشترك، وكبائن للتركيز، وألوان مفرحة في كل مكان نابضة بالحياة، ولكن سوف أتخطى كل ذلك الجمال وأتحدث عن الرؤية والمحتوى والمستوى المهني. الرؤية أن الوزارة أصبحت وزارة من المستقبل وتعمل برؤية حديثة مبدعة خارج الصندوق، والمحتوى هو شاشات حائطية ضخمة بها مئات من مؤشرات الأداء ورسوم بيانية وخرائط جغرافية محدثة باستمرار لكل مناطق المملكة، وتغطي جميع جوانب الأداء لمستشفيات الوزارة. في الدور الثاني مضيفتنا الدكتورة دينا خان، قيادية سعودية شابة وواعدة، مديرة مركز التحكم والسيطرة السعودي، أبهرتنا في جولة في المركز الأول من نوعه على مستوى العالم، بأيدٍ سعودية. شباب سعودي مفرح من الجنسين يعملون معاً في عدة غرف رقمية، تستخدم بيانات عملياتية على مدار الساعة، للمتابعة والتحليل واتخاذ القرار، لتحسين عمل قيادات المستشفيات في طول المملكة وعرضها. غرف التباحث واتخاذ القرار يسمونها «غرف الحرب» (war room)، فهم جادون في حرب التغيير والتطوير لتقديم أفضل خدمة للمواطن. نظرت إلى إحدى زميلاتي في القطاع الخاص وسألتني «إيش تركولنا؟». ثم في الدور الثالث مضيفتنا الدكتورة منى السبيعي، وأحد مناصبها الحالية المدير التنفيذي للمستشفى الافتراضي للرعاية الصحية عن بعد. والواضح أن لديهم معجزة في كل دور. المستشفى الافتراضي، هو مستشفى متكامل، به فريق كامل من الأطباء والتمريض والخدمات الطبية المساندة، يتواصلون مع المرضى والفرق الطبية في تخصصات عديدة لجميع المستشفيات حول المملكة. الرعاية الصحية عن بعد هي أحدث ما توصل له التكنولوجيا في عالم الطب، أصبحت واقعاً يحدث فعلا، وأين في وزارة الصحة السعودية! أما الحلم فهو «مستشفى المنزل»، حيث سيتم تحويل المنزل إلى مستشفى متكامل للحالات التي لا تستطيع أو لا تحتاج الذهاب إلى المستشفى، دعك من الرؤية والمحتوى والمستوى المهني، فلنتخط ذلك أيضا، هل أحسست بالأمل؟ بالشغف؟ هل شعرت بارتفاع مستوى الدوبامين (هرمون السعادة بالنجاح) في خلايا عقلك؟ هؤلاء الشابات والشباب وقيادات وزارة الصحة النسائية الشابة هم مصدر الرقمنة والدوبامين في 2030.