قامت الدنيا ولم تجلس لأنه قال لم يعد للقبيلة دور؟ قامت الدنيا ولم تجلس لأنه مس القبيلة! وقامت الدنيا ولم تجلس على قهوته وعلى (يمكني مكثر قهوة)؟ ما لكم وما ارتشق يا سادتي؟ وما لكم وقهوته؟ وكأن المثقف مطلوب منه الكمال بانضباط قهري ليقف أمامكم لمحاكمته؟ وأن يموت وهو يجامل هذا المجتمع ويطبل له! إلى متى ونحن نكسر من مجاديف كبارنا ومثقفينا بعالم يعزز للأقزام والتوافه المتصدرة للمشهد؟ ما الذي يجري ونحن ننال من مفكر قدم لنا ولتاريخنا أعمالا رائدة في دراسات الصحراء ومجتمع الجزيرة في تركيبته القبلية وثقافته الشفاهية ورموزه التواصلية! وكأننا عدنا لنثبت له أننا ما زلنا فيها! أحدثكم أنا عن الدكتور الصويان وما حدث بعد ظهوره بمقابلة عميقة مع المديفر، لنختزل مقابلته بسطرين عن القبيلة والقهوة؟ الصويان الذي لم أقابله قط بحياتي أعاد في يوم من الأيام الاعتبار لقسم هام من تراثنا الشعبي، فهو أعاد أهمية القصص والأساطير الخارقة والفولكلور الأهلي برؤية تركيبية تجمع بين الثقافة العامة من علوم تراثية ومؤلفات مكتوبة والتراث الشفهي الذي كثيرا ما يتجاهله الباحثون ويرونه غير جدير بالاهتمام والتركيز. توفي منذ سنوات المفكر عبدالكريم الجهيمان، وعبدالله بن خميس، ومنذ أيام علي الهويريني مع حفظ الألقاب! هل أنصفناهم بحياتهم! بل بعضهم تعرض لمعاناة منا كانت أكبر من إنجازاته العظيمة التي قدمها... وها نحن نعيد الجلد لصاحب موسوعة «الصحراء العربية» الدكتور سعد الصويان خريج جامعة بيركلي وعالم الانثروبولوجيا في السبعينات! ما يجهله البعض، هو أن هذا التراث الشعبي الذي جمعه الصويان هو أرضية الهوية الوطنية الحقيقية لنا، وهو مظهر الخصوصية المجتمعية التي تميزنا، والمعرفة المنهجية التي ستمكن من استكشاف مقومات الشخصية السعودية... علماء الانثربولوجيا دائماً ما ينقبون عن الدلالات في أنساق الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية ليبينوا أنها تندرج في منطق دقيق له مفاتيحه ومداخله، بحيث أن أفضل طريقة للتعرف على مجتمع ما هو البحث في ثقافته الشعبية وتحليلها التحليل الدقيق الموضوعي. ولقد أوضح الصويان ضرورة النظر إلى البداوة خارج مقاييس النظرة الدونية المنتشرة منذ ابن خلدون، باعتبار أن البداوة هي نمط من العيش وشكل من النظام الاجتماعي له خصائصه الحضارية وقيمه العميقة. لن يعجبكم ما قالته لكم بنت القبيلة ولا الذي ستقوله، ولكن نعم الصويان على حق ولم تعد شخصية القبيلة مهمة وشخصية الفرد اليوم في المجتمع وثقافته هي هوية المواطن وليست قبيلته... فأصل كلمة هوية لم تعد تتداول في الدول المتقدمة، فدولة الزمن الحديث، لمن لم يلاحظ، هي عبارة عن مؤسسات تحرص على سلامة الإنتاج واستمراره، والمواطن هو من استحدث هذا النظام (الإداري) ليخلق بيئة نمو وتعايش يستطيع الاستدامة فيها... تماماً مثل الهندي الأمريكي الذي لا يعكس هوية المجتمع الأمريكي اليوم بقدر ما هو مواطن بينهم. المملكة اليوم تجنس المميزين وتمنح حقوق الإقامة لكل مستثمر يرغب في الانتقال والعيش بيننا بدون أن يسأل عن فصله أو أصله وجذور قبيلته وسيكون بيننا سعوديا... الحكومة اليوم تعين وزراء وسفراء بالكفاءات والأحقية بدون النظر إلى القبيلة والفخذ والفصيلة! فالصويان عندما قال لا دور مستقبليا للقبيلة كان يرى بعين عالم الاجتماع المتبصر أن مسار التحديث الاجتماعي بهذه الدولة يتطلب توطيد الهوية الوطنية الجامعة وبناء مرتكزات قوية للاندماج الاجتماعي، بمحاربة عقلية التعصب القبلي أو المناطقي أو الطائفي من منظور الانتماء للوطن الجامع والولاء للدولة الحاضنة لمجتمعنا. تذكرت اللعبة الشعبية «عويد الشتنتر»! التي كانت ركنا أساسيا في تراثنا؛ وهي عبارة عن تدوير عود مشتعل بين مجموعة متبارين بشكل دائري حتى ينطفئ عند واحد منهم ليقع عليه العقاب! ونحن وكأننا نتسلى بحرق مثقفينا تماماً مثل عويد الشتنتر، تاركين الباب مفتوحا على مصراعيه للتوافه والأقزام ليتصدروا المشهد!