أمير تبوك يطّلع على نسب إنجاز المشاريع بالمنطقة    البنوك السعودية تربح 20 ملياراً في 3 أشهر    المملكة تدعو لقمة متابعة عربية إسلامية لبحث العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان    الإرياني: السعودية الداعم الأول لليمن في تحقيق التنمية المستدامة    من هو سيّد البيت الأبيض الجديد؟    ظروف الوحدة تُغري الشباب.. والأخدود يبحث عن نقاط العروبة    الاتحاديون ل«أكتوبر»: جدد فرحتنا المعتادة    تحديد آليات معالجة أوضاع الطلاب المنقطعين والقادمين من الخارج    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    الحركات الدقيقة للعين مفتاح تحسين الرؤية    كيف تفرّق بين الصداع النصفي والسكتة الدماغية ؟    في دوري يلو .. الجبيل يتغلّب على العين بثنائية    محرك الإنجاز.. من الحافز إلى الدافع    لائحة تنفيذية لضبط التبرعات وأوجه الصرف والتحويل    جوّي وجوّك!    السلطة الرابعة.. كفى عبثاً    الإعلام والعالم الرقمي.. تحولات العلاقة في ضوء فيلم «CTRL»    لا تكذب ولا تتجمّل!    الجدعان: 52 % من اقتصاد المملكة «غير نفطي» بفضل رؤية 2030    عبدالعزيز بن سعود: العلاقات السعودية - البحرينية أنموذج في التعاون والتنسيق    الجبلين يقصي الاتفاق من كأس الملك بثلاثية    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    مملكة السلام    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    «صندوق الاستثمارات» و«غوغل» يطلقان مركزاً للذكاء الاصطناعي    تعاون سعودي - فيتنامي    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    24 كاميرا تغطي ديربي جدة    يايسله مع الأهلي.. وماذا بعد!!    الجبير ولودريان يناقشان تطورات لبنان    أمير الشرقية يطلق مشروع إعداد المخطط الإقليمي للمنطقة الشرقية والمخططات المحلية    تحت رعاية الملك سلمان.. جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه تكرم الفائزين بها    لا إزالة لأحياء الفيصلية والربوة والرويس.. أمانة جدة تكشف ل«عكاظ» حقيقة إزالة العقارات    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    آل باعبدالله وآل باجعفر يحتفلون بعقد قران أنس    زلزال بقوة 6 درجات قبالة السواحل الغربية للولايات المتحدة    مستشفيات غزة.. حواضن للموت    برازيلي يعض ثعبان أناكوندا لإنقاذ نفسه    معرض إبداع    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    نائب أمير جازان يُدشن معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي 2025م    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السادسة عشرة إلى لبنان    الأمير سلمان بن سلطان يطلع على جهود وبرامج مرور منطقة المدينة المنورة    حديقة "الرياض زوو" تعود بتجارب جديدة    شركة NetApp تفتتح مقرها الإقليمي في الرياض    مباني المستقبل.. انتقال البيانات عبر الكهرباء    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    عندما تبتسم الجروح    الثقافة والفنون بالدمام تشارك بمبادرة الشرقية تبدع    «رؤى البحر الأحمر» برامج ومسلسلات نافذة للأعمال السينمائية الفريدة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على مشاري بن سعود    رئيس جامعة أمِّ القُرى يترأس مجلس الجامعةة في جلسته الثَّالثة.    رصد هطول أمطار في (9) مناطق.. ومكة تسجّل أعلى كمية ب (56.2) ملم في الجموم    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها امانه المنطقة    حرس الحدود بالشرقية يقدم المساعدة لمواطنَين خليجيَّين    عملية قلب مفتوح تنقذ حياة مريضة بعد 80 دقيقة من الإنعاش بقلب القصيم    السفير حفظي: المملكة تعزز التسامح والاعتدال عالميًا    الغلط مرجوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرسي غازي القصيبي ينظم محاضرة عن ثقافة التفاهة
نشر في عكاظ يوم 09 - 01 - 2022

استضاف كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية في جامعة اليمامة الدكتور عثمان الصيني يوم الثلاثاء 4 يناير 2022م لتقديم محاضرة دارت محاورها حول التفاهة التي تحيط بالثقافة، وقد ابتدأها بالتساؤل هل للتفاهة ثقافة؟ وهل يحق لنا أن نجعل التفاهة نوعا من أنواع الثقافة؟ إجابات هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تتأسس بداية على تحرير مفهوم الثقافة والتفاهة.
وأوضح الدكتور الصيني أن التفاهة تعني شيئا دونيا وغير مقبول اجتماعيا، ففي اللغة العربية معنى تَفِه الشيء: أي قلَّ وخَسّ وحَقُر، وتَفِه الرجل بمعنى: حمُق، أما الثقافة فتعني مجموعة الأفكار والمعلومات والخبرات التي تنتشر في مجتمع ما بسبب التأييد لها، ويكون أساسها الموروث. ولذلك كان هناك مستويان من أداء الجماعات أو المجموعات أعلاها الثقافة وأدناها التفاهة، وكلاهما مقبول ومتعارف عليه ومعروفة حدودهما ومواصفاتهما في شتى مناحي الحياة الرسمية والشعبية، وتاريخ المجتمعات العربية مليء بالنماذج.
ويشرح الدكتور الصيني بأن هذين المستويين من الممارسات كانا سائدين أو متعارفا عليهما غير مستهجنين من كافة طوائف المجتمع حتى العلماء والفقهاء، ففي الشعر مثلا نجد بشار بن برد الذي قال من أشهر أبيات الغزل: ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا، هو نفسه الذي يقول: رباب ربة البيت تصب الخل بالزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت، وللنوع الأخير جاء المثل الشهير: لكل ساقطة في الحي لاقطة.
وفي الغناء نجد إلى جانب القصائد المغناة لمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم أغنية ليلى نظمي «الطشت قللي ياحلوة يللي قومي استحمي»، ومحمد حميدة «لولاكي»، وأحمد عدوية «أهل الله يللي فوق طب بصوا على اللي تحت حبة فوق وحبة تحت»، وأغنية أوكا وأوتيجا «قاعد لوحدك كده سرحان شيطان يوزك سكة شمال العب يلا».
ويستطرد المحاضر مبيناً أن هذا ليس منحصرا في الثقافة العربية أو المجتمعات العربية فهي سمة عالمية، فالدول التي تقدمت في معظم المؤشرات العالمية في شتى المجالات نجد ممارسات أفرادها الحضارية تسير إلى جانب تفاهاتهم، وآخر مثال على ذلك لعبة البوب كات Pop cat وهي لعبة تافهة وسطحية، وقبل أكثر من شهر وصل عدد النقرات حول العالم 556 مليارا.
ويوضح الدكتور الصيني بأنه إذا كانت التفاهة موجودة ومقبولة تاريخيا في تراثنا العربي ومنتشرة في كل دول العالم يبرز السؤال الحاد: ما المشكلة إذاً؟ ولماذا نقف منها هذا الموقف؟ ومتى تصبح الثقافة مقبولة ومتى تصبح خطرا يهدد القيم؟ ومن المسؤول عن إشاعة التفاهة أو الحد منها؟ الجواب ببساطة هو أن المسألة تصبح خطرة حين تذوب المعايير وتختلط حدود القيم وتدمَّر قيمة الأشياء التي بنتها حضارات الإنسان في مختلف الأماكن على مدى آلاف السنين ويصبح اللاقيمة هو القيمة، فالصدق قيمة والأخلاق قيمة والخير قيمة والجمال قيمة والعدل قيمة، والكل يعرف أن الكذب ضد الصدق حتى من يكذب، ويعرف أن العدل قيمة حتى حين يظلم، لكن الخطورة حين يصبح الكذب قيمة واللاخلق قيمة، وينشأ جيل تختلط عنده الأمور فلا يميز بين القيم التي ترسخت عبر الأجيال وانبنت عليها ثقافات وحضارات وبين اللاقيمة.
ويستمر الدكتور عثمان الصيني مبيناً أن ما يحدث الآن هو أن هناك سلوكيات اجتماعية تعارف عليها المجتمع أنها من باب التفاهة والسلوك الشائن ويتقبلها في هذا الإطار، فالمبالغة والهياط يتعامل معها الناس على أنها هياط، ويتقبلونها من هذا الباب، ويتناقلون قصصها وأحداثها من باب التفكه فيضحكون ويعلقون ويطقطقون وربما يتنمرون، وتبقى بعد ذلك المبالغة مبالغة والهياط هياطا والصدق صدقا، ويتناقل الناس نكت المحششين فيضحكون ويسخرون، ولكن يبقى المحشش بعد ذلك مرفوضا اجتماعيا ومريضا سلوكيا ومذنبا جنائيا، كما يبقى الحشيش من المخدرات المجرمة قانونا، ولا تعني رواية نكتة محشش أننا نؤيد تعاطي المخدرات، بل تظل في إطارها الاجتماعي المعروف، والآن نشاهد بعض مشاهير السناب يختلقون قصصا ويعرضون منشورات ويتاجرون بأجسادهم وأطفالهم وآبائهم وأمهاتهم في مواقف غير مسؤولة ويقومون بأفعال غريبة ومستهجنة لفظا وفعلا تصل إلى حد مسخرة أحد الأبوين أو اختلاق قصة ولادة غير حقيقية باستغلال المواليد، بهدف زيادة المتابعين وبالتالي زيادة الإعلان والدخل، ويمكن لهذا الأمر أن يكون مقبولا اجتماعيا لو بقي في إطاره الحقيقي، لكن الخطورة تكمن فيما يسمى بنقطة التحول وهو مصطلح معروف في علم الاجتماع، بمعنى أن تكون هناك سلوكيات وأحداث تتكرر وتتضخم، ويحدث هناك تراكم حدثي يزيد يوما بعد يوم، وتقف خلفه شبكة كبيرة تقوم بإنتاج هذا التراكم بشكل ضخم دون انقطاع بوعي أو بدون وعي، وينشأ ما يشبه التنظيم الاجتماعي من حيث وجود مجموعة متسقة الأفكار متشابهة السلوك ومتوافقة الأهداف والمصالح، تعزز لبعضها وتدافع عن بعضها وتتبادل المصالح فيما بينها حتى يتحول مع هذا التراكم والضغط المستمر على أفراد المجتمع إلى وباء اجتماعي يصيب الجميع، وأول ضحاياه أجيال لا تملك مناعة تحميها من الاختراق ولم تكتسب حصانة من مؤسسة البيت والمدرسة والجامعة وقيم المجتمع السائدة، فتظن أن هذا هو السياق الحقيقي والحياة الحقيقية.
ويركز المحاضر على جانب مهم وهو انسياق بعض الإدارات الحكومية وراء هذه الظاهرة، مؤكداً أنها هي التي شرعنت التفاهة عندما فتحت الباب للاستعانة بالمشاهير التافهين في الأمور الجدية، وخصصت ميزانيات ضخمة لإعلاناتهم، وأصبح فعلهم هذا نوعا من التأييد نقل التفاهة إلى الثقافة، ومما يحز في النفس أن ميادين الشرف والقتال حيث تبرز قيم الوطنية والفداء والتضحية والنبل والشهامة تم دفع مبالغ طائلة لبعض المشاهير من شباب سطحي وفتيات يتمايلن ويستعرضن أمام دبابة أو وسط أبطالنا في الحد الجنوبي بشكل يعطي انطباعا لجيل كامل يتابعهم بالتفاهة والعبثية، وأصبح هؤلاء التافهون والتافهات هم المثل الأعلى الذي يحظى بالثراء والشهرة والجماهيرية وتفتح لهم الأبواب ويُستقبَلون استقبال الأبطال من خلف ميزانيات الإعلانات الضخمة التي دفعتها الوزارات بشكل غير معلن وظهرت بعض أرقامها على الملأ، وترتب على هذا أننا لو أجرينا استطلاع رأي على جيل طلاب الثانوية والجامعات عن طموحهم في المستقبل لوجدنا الغالبية منهم ومنهن يتمنون أن يصبحوا مشاهير ولديهم براندات بأسمائهم ويفتحون مقهى أو مطعما وقصرا فخما وسيارة غالية، وتراجعت إلى الخلف أمنيات أن يصبح طبيبا ومهندسا وطيارا وضابطا.
ويختتم الدكتور الصيني محاضرته بالقول إن الخطير دائما في نقطة التحول أن تراكم سلوكيات معينة وانتشارها وإنتاجها بهذه الضخامة تبقى مسكوتا عنها لفترة ثم تصل إلى مرحلة تصير هي السائدة وغيرها خروج عن السائد ومستنكر، كالسيول التي تندفع في الوادي باتجاه السد ويستوعب تدفقها إلى أن تأتي لحظة هي نقطة التحول حين لا يستطيع السد الوقوف أمامها فينهار وتجرف المياه كل ما هو أمامها ولا يستطيع أحد الوقوف بوجهها. وهكذا هو سد القيم المجتمعية والأعراف التي ينشأ عليها الأطفال في مؤسسات البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع المحيط والكبير أمام وباء التفاهة الجارف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.