تنمو أي منظمة غير هادفة للربح من بذرة ما، سواء أكانت قضية مشتركة أم ملحّة أم شغفاً فردياً، وإذا جذبت هذه البذرة عدداً كافياً من الأفراد ذوي الأهداف المشتركة فإنهم يبدأون في الاجتماع والنقاش والتخطيط لأهدافهم المستقبلية، ولكنها كثيراً ما تعاني من الصعوبات نظراً لمحدودية خبرة أفرادها أو تباين أهدافهم المرحلية وكونهم لا يملكون من المال إلا النزر اليسير! وقد تصطف هذه العوامل الثلاثة (الخبرة، الهدف، والتدفق المالي) كحواجز تعيق نجاحها في تحقيق أهدافها لخدمة المجتمع. وهنا تكمن التجربة الفريدة! فكل معوقات النجاح السابقة هي ذاتها مقومات نجاح تحوّل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث إلى منظمة غير هادفة للربح، فالتخصصي ليس بذرة تنتظر رعاية لتنمو، بل شجرة ذات جذور متينة ومستقرة، كيان صحي عملاق له أقدام راسخة في تقديم الرعاية الصحية المتميزة منذ ما يقارب النصف قرن، يتسم بهدف واضح يتمحور حول إنجاح تجربة المريض، فلا تعوز مسؤولية الخبرة ولا تتباين أهدافه المرحلية وخططه الإستراتيجية، ولا يحتاج سوى مواصلة تحقيق الإنجازات الملموسة بسواعد منتسبيه الذين يشكلون أهم نقاط قوته بتمتعهم بالمهارات اللازمة للمساعدة في ترجمة أفكار التحول إلى واقع فعال، واستبدال قاعدته المالية الحكومية بمصادر مالية متنوعة تُستثمَر أرباحها لتحقيق إستراتيجيته. إن تحوّل مستشفى التخصصي إلى مؤسسة مستقلة ما هو إلا شرارة إبداعية ذات طموح عال، لبنتها الاستقرار والتنظيم والحوكمة، وعمادها الابتكار العلمي وتطوير الأبحاث والتدريب، وحصيلتها التوسع في الخدمات وزيادة الفاعلية وتحسين الجودة والإنتاجية، لتكون أولى خطوات التحوّل الصحي الملهمة لبقية القطاعات الصحية للارتقاء بجودة الحياة.