لم يترك جورج قرداحي له من صديق يستعين به للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه. من المؤكد أنّ الرجل ليس بغبي ولا بهاوٍ أمام عدسات الكاميرا واللعبة الإعلامية، لكن من المؤكد أنه يدري ما يفعل وما يريد، وعندما نطق بما صرّح به كان بكامل قواه العقلية، وربما فوق ذلك ما يزيد. هو شخص له من اسمه نصيب فمعجم المعاني الجامع عرّف معنى فعل «قَردَحَ» فقال شارحاً: «قردَحَ فلانٌ أي تذلل وتصاغر». أما معجم لسان العرب فيقول: «قردَحَ الرجلُ أيّ أقرّ بما يُطلب إليه أو يُطلب منه». وجورج قرداحي منذ بداياته هو يقرّ بما يُطلب إليه أو يُطلب منه من برنامجه «من سيربح المليون» كان دائماً يُنصت إلى مخرج البرنامج فيكمل الأسئلة الموضوعة أمامه أو يذهب إلى استراحة في إعلان قصير. ثم إلى برنامجه «المسامح كريم» حيث صنع مجده على أوجاع الناس، فيما أبطال الحكايا كان يُحضرهم فريق إعداد ليس له من البروز الإعلامي نصيب. يروي الحكاية التي تُكتب له وكأنه هو من يكتبها، ويحلّ المشاكل التي كانت تُحلّ قبل بدء التصوير، ومهمته التمثيل أنه هو صاحب الحل العجيب. وعندما عُيّن وزيراً لم يلتقط قرداحي أنفاسه فبدأ القصف في مطار رفيق الحريري الدولي طالباً من الإعلام اللبناني ألا يستضيف خصوم الحكومة، وكأن كلامه «فرمان عثماني» وُجِب التنفيذ. وواصل قصفه تارة بالسلاح الخفيف فالمتوسط فالثقيل، وكأنه يريد إقناعنا أن أزمة لبنان هي في الإعلام الذي قطع البنزين، ورفع سعر الرغيف، وفوّض الفاسدين أن يسرقوا المال العام، وإسكات الإعلام بالنسبة لأزمتنا برأي القرداحي هو الحل المفيد. تنكّر زملاؤه في الحكومة اللبنانية له عند أول مفترق طريق، وأعلنوا البراء منه ومن تصريحاته تلك التي قالها قبل الوزارة وبعد أن صار وزيرا. تباً لحكومة غير قادرة على ضبط وزير إعلامها، وتباً لوزارة إعلام عاجزة بلسان وزيرها أن تنطق بما هو مفيد. إنه زمن النهايات لبلد لو قُدّر لجبران خليل جبران، ولأمين الريحاني، ولميخائيل نعيمة، ولشكيب أرسلان أن يسمعوا كلام وزير إعلامهم لنزعوا عنهم صفة الانتساب للبنان الكبير.