الذي أمضى ليلة كاملة وحيداً على المنشر وُجد مقتولاً أو ربما منتحراً في غابة قريبة. رجَّحتُ أن غراباً ما يعاني الوحدة قد أغواه، فسار خلفه إلى هناك... - أعلم أن هكذا مقدرة تصلح أن تكون للضباع حسب ما تتناقله أساطير القرويين، لكنني خمنت أن يكون غراباً ما يعاني الوحدة قد أغواه، ومن باب التسلية مزّقه بمنقاره الجسور! المشهد برمته يشي بالدمار: قميص ممزق أشبه بمدينة محروقة ومهدمة ومنهوبة، لكنه كان يبعث على الفرح! إنه حقاً مفرح!! تذكرت النكتة التي يجلس فيها مسطولٌ قبالة (بنطاله) المعلق، وحين يسقط البنطال لسبب ما يبتسم ويحدّث نفسه متنفساً الصعداء: «حمداً لله أنني لم أكن داخله!» كما تذكرت ما رواه لي أبي: كنت بمثل عمرك، أسافر إلى مدينة مجاورة لنبيع بضائعنا ونجلب غيرها مما نسوّقه هنا، كنا ننحشر في حافلة عجوز ومملة تخنقها أنفاسنا وروائح ثيابنا، وفي الطريق توقفنا فجأة إذ لمحنا حافلة في أسفل الوادي كأنها حافلتنا وبضائع مبعثرة ورجالاً ممددين قربها، كأنهم نحن! كان الدمار مخيفاً، هبطنا بلهفة، وما إن وصلنا حتى صُعقنا لمشهده: رجل يجلس القرفصاء على صخرة بكل بساطة وهدوء، يدير ظهره لكل ذاك الدمار المهول حوله، في يده سكين صغيرة، يقشّر بطيخة يبدو أنها مثله كذلك: نجت وحدها!!