أعاد الناقد حسين بافقيه الفضل في انتشار القصيدة والقصة الحديثتين في السعودية إلى الناقد سعيد السريحي. وأضاف أن رأيه هذا سيصدر في كتاب قريباً، مرجعاً السبب في هذا إلى محاضرات سعيد السريحي في غير نادٍ وجمعيَّة ثقافية، ومن بينها نادي جازان الأدبي، الذي طبع محاضرات سعيد السريحيّ التي جمع أشتاتها ونشرها بعنوان مثير هو: الكتابة خارج الأقواس (1407ه = 1986)، حيث كان لهذه المحاضرات أثرٌ بعيد في التَّوجُّه نحو القصيدة الحديثة والقصة الحديثة في المملكة. وأشار بافقيه إلى أنّ كتاب الخطيئة والتكفير للدُّكتور عبدالله الغذَّاميّ (1405ه) كان له تأثير في ثقافتنا وحركة النقد عندنا، وهو مقام لا شكَّ كبير، إلا أن محاضرات السريحي كان لها أثرها الكبير في مفاصل الأدب الجديد في المملكة، وأن هذا الأثر أبعد وأعمق وأقوى من (الخطيئة والتكفير)، بل إن كتاب السريحي -وهو، أيضًا، مغفولٌ عنه- حقيقٌ بأنْ ندعوه (البيان النقديّ) لحركة الحداثة لدينا، بما انطوى عليه من روح تبشيري ساحر. وأكد بافقيه أن محاضرات سعيد السريحي ومن بينها محاضرات ألقاها في جازان، كانت من أسباب الهجمة على حركة الحداثة، فبينما كان الغذامي مشغولا باستجلاب منهج نقدي والتنظير له، كان السريحي أدنى إلى الأدب نفسه، وإلى الشعراء والقصَّاصين أنفسهم، وكأنه كان يمهّد لإساغة تلك المحاولات الجديدة، وكان سببًا في كثيرٍ من المغامرات -وربما العبث- الذي كُتِبَ باسْم الحداثة، وكأنَّما كانت محاضرات السريحي ومقالاته في (الكتابة خارج الأقواس) كلامَ عرَّافٍ يبشِّر بمذهبٍ جديد، ونحوٍ من الكلام جديد، وزعم بافقيه أن السريحي أَدخَلَ في واعية كوكبةٍ من الأدباء الشباب قدرا غير هيَّنٍ من الشُّعور ب(الحِطَّة) [مركّب النقص] بعد أن أعلى من شأن اللغة الغامضة، وأدب الغموض [ذلك المستغلق]، وكان على الأدباء الشَّباب -آنئذ- أنْ يستبهم بيانهم ويغمض ليصبحوا «حداثيين» ما دام نقد سعيد وما فيه من خلابة يزيِّن لهم سبيل الغموض الذي سيبلغون به ما يدعوه «اللُّغةَ الإنسانيَّة الأولى»؛ يوم كان يجلس العرَّاف على حَشِيَّة -وربّما مصطبة!- وحوله المؤمنون والحائرون، يرفعون أسماعهم إلى كلامه، ويتلقَّون اللغة الأولى التي لا مجاز فيها ولا حقيقة، أو عساها تكون كلُّها مجازًا! واستشهد بافقيه على صحّة هذا الاستنتاج بأنّ المحافظين لما أرادوا النَّيل من حركة الحداثة عندنا [أدبها ونقدها] رأوا في (الكتابة خارج الأقواس) لا الخطيئة والتكفير الغاية والطلب، وكأنهم أدركوا أنَّه ذو أثرٍ بعيد في الأدب والأدباء والمتلقِّين، ولذلك لم تخل صفحة من صفحات كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» من الإشارة إلى السريحي وكتابه (الكتابة خارج الأقواس)، إذ كان صاحب كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) يلوذ بهذا الكتاب كثيرًا، ولم يفعل الأمر ذاته مع كِتاب الخطيئة والتكفير للغذامي!