أبلغُ مشهدٍ على المخاوف والارتياب الذي يحيط بحقبة طالبان الجديدة ودولتها الثانية بدا في صور ومقاطع لمئات الأفغان أثناء تدافعهم على طائرة أمريكية وتسلقهم لعجلاتها ربما فراراً من خطر محتمل يعيد حياتهم إلى ما قبل تفجيرات 11 سبتمبر ومغامرات جبال تورا بورا. تؤكد «طالبان» في رسالة تطمين للعالم أن حقبتهم الجديدة ستنفتح على العالم المتحضر ودوله الرقمية ومفارقة سنوات الظلام وحياة الكهوف. يقول المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد: «أطمئن العالم بعدم اضطهاد الصحفيين وأتعهد بالسماح للمرأة بمواصلة عملها والعفو عن جميع الخصوم». كأن الرجل يلمّح إلى أن الحركة التي احترفت الحروب اعتزلت ماضيها وتُقبل الآن على الحياة مجدداً بفعل «الخبرة والنضج والبصيرة»، طبقاً لأحد قيادات الحركة. في المقابل ينظر العالم بقلق وتوجس إلى انقلاب الأوضاع في كابول استناداً على صحيفة السوابق الجنائية للحركة، وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: «سنحكم على هذا النظام بناء على الخيارات التي سيتخذها وعلى أفعاله وليس على أقواله، سلوكه حيال الإرهاب والجريمة والمخدرات وعلى حقّ وصول المساعدات الإنسانية وحقوق الفتيات في الحصول على التعليم». يشعر الأفغان بالقلق من الحقبة الطالبانية الثانية، ويخشون من عودة القوانين الباطشة كما الحال في العام 2001، لعل هذه المخاوف هي التي دفعت بعائلات كثيرة إلى الهروب إلى مطار حامد كرزاي في كابول بحثاً عن مخرج وملاذ وبر أمان. ونقلت تقارير صحفية بثتها وكالة أسوشيتدبرس مشاهد محزنة من كابول «بدت صاحبة صالون تجميل وهي تمحو ملصقات تظهر نساء، فيما هرول الشبان إلى منازلهم لتغيير ملابسهم من الجينز وارتداء الزي الأفغاني التقليدي». وتقول خريجة جامعية «لا أستطيع مواجهة مقاتلي طالبان. ليس لدي شعور جيد تجاههم. لا أحد يستطيع تغيير موقف طالبان لا يزالون يريدون بقاء المرأة في المنزل». أضحت الفرصة مواتية للحركة في الانتقال من تنظيم محارب ومطارد إلى «حركة دولة» تتعايش مع جاراتها وتصون حقوق مواطنيها وتنأى بنفسها عن التدخل في ما لا يعنيها وتنقح سيرتها الذاتية وسوابقها مما أحاط بها من شكوك وظنون فرضت عليها العيش تحت الحجب وسفوح الجبال وبواطن الكهوف. غير أن الواقع الذي أظهرته العودة الثانية لحركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان أعادت ذات الظنون والشكوك إلى الأفغان، إذ أبدت أكثر من 20 دولة منها الولايات وبريطانيا في بيان مشترك قلقها إزاء وضع حقوق الإنسان والنساء في كابول، وأظهرت مقاطع مرئية بثتها منصات إعلامية بُعيد وصول جيش طالبان إلى القصر الرئاسي، عدداً من مقاتليها يفترشون الأرض في أحد مكاتب القصر أثناء تناولهم الطعام، فيما تمدد جنود مسلحون على مقاعد الوزراء، وهي اللقطات التي دفعت بعض المراقبين إلى القول إن الحركة المقاتلة ستستهلك وقتاً طويلاً قبل التخلي عن مناهج الكهوف والانتقال إلى بساط القصور!