الممارسات التي تقوم بها البنوك المركزية اليوم من حيث السماح بنمو مفرط في المعروض النقدي كانت واحدة من السمات البارزة التي قادت للتضخم الكبير في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهي آخر مرة نشهد فيها تراكما للضغوط التضخمية. يعد النمو السريع للأموال داخل الاقتصاد من العوامل التي تقود إلى التضخم الخارج عن السيطرة. من الملاحظ ارتفاع المخزون النقدي بوتيرة كبيرة منذ العام الماضي، ومن يراقب تحركات البنوك المركزية من حيث الضخ الترليوني في الاقتصاديات الكبرى يشعر بأن هذا الضخ لا يبدو يثير قلقهم، وكأن تلك البنوك لم تعد تؤمن بالمقولة الشهيرة للعالم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ميلتون فريدمان بأن «التضخم هو دائماً وفي كل مكان ظاهرة نقدية». حتى على مستوى «النظرية الكمية للنقود» والتي تدعي أن سببية التضخم تبدأ من المال إلى الأسعار، يبدو أن البنوك المركزية لم تعد تكترث لها، لكن تظل الحقيقة أن الأجور الاسمية وأسعار السلع والخدمات لا يمكن أن تستمر في الارتفاع دون التوسع في كمية النقود. من المحتمل أن يؤدي النمو النقدي القوي بمرور الوقت أيضاً إلى زيادة المخاطر في تطور أسعار الأصول والاستقرار المالي. ربما يأتي اختفاء خوف البنوك المركزية من التضخم من معظم شاشات الرادار لديها، من منطلق أن الزيادات الأخيرة في الأسعار تُعتبر مؤقتة، ولكن نظراً لأن السياسات النقدية تتسم بفارق زمني طويل ومتغير، فمن المجازفة الانتظار إلى أن يتجذر التضخم المرتفع قبل البدء في تقليص التيسير الكمي أو رفع أسعار الفائدة. اعتماد البنوك المركزية على توقعات استقرار التضخم على المدى الطويل يعد رهاناً محفوفاً بالمخاطر وخاصة في حالة عدم اليقين العالية والتي من المستحيل أن تكون توقعات عقلانية، لأن حدوث أمر معاكس سيفقد تلك البنوك مصداقيتها وسيعرض الكثير من الدول المثقلة بالديون والتي تقف على أرضية هشة إلى مخاطر أكبر.