اللَّطِيفُ هو اسم من أسماء الله الحسنى.. ومعناه: الذي يعلم دقائق الأمور وخفاياها، ويعلم ما في الضمائر والصدور، وهو الذي يُحسن إلى عباده من حيث لا يحتسبون. هو لُطفٌ مجتمع بالعلم بدقائق الأحوال والمصالح.. يوصل ما شاء من رزق لمن شاء من عباده برفق ورأفة: (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ..) ويقدّر لهم الخير بعلمه: (.. وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). اللَّطِيفُ يُحسن إلى العبد ويرزقه بتدبير لم يخطر له على بال، فيحسبه العبد صُدفة، وهو لطف الله.. يأتي في خفاء وستر؛ حتى الرحمة التي تصل للعبد من حيث لا يحتسب ولا يعرف أسبابها.. هي لطف الله.. يمهّد السُّبل ويخلُق الأسباب التي لا تخطر على بال.. سبحانه. قال ابن القيّم رحمه الله: (.. واسمه اللطيف يتضمن: علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفيّة. فمن لطفه: أن يسوق عبده إلى الخير، بطرق خفية لا يشعر العبد بها، ويسوق إليه الرزق من حيث لا يعلم، ويريه من الأسباب التي يكرهها.. ليكون ذلك طريقاً له إلى أعلى الدرجات وأرفع المنازل). اللَّطِيفُ قد يُنزل على عبده أمراً يكرهه ويشق عليه، وفي حقيقته هو يُعِدُّه ليصل -في النهاية- إلى أجمل الغايات.. ولكن بكفاءة عالية يسّرها له وأعدّه لها -بما اعتقد أنه غير محبّب-. بل من لطيف لطفه بعبده: أنه يؤهله لمكانة أعلى -في الدنيا- عن طريق الصعوبات والتجارب القاسية (.. لتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر)؛ أي من التحديات، يُصبح خبيراً ومحترفاً.. ومميزاً في عمله. وقد يمنع اللَّطِيفُ عن العبد أمراً عمل بجد واجتهاد.. وثابر طويلاً ليحصل عليه.. وحين كان قريباً من تحقيقه، صرفه الله عنه.. لطفاً به. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى إذا تيسر له، نظر الله إليه من فوق سبع سموات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسَّرته له.. أدخلته النار). قد تكون مثل هذه المواقف هي الأكثر إحباطاً في حياة الإنسان.. يراها تفلُّتاً للخير، ولا يعلم أن عدم تيسيره.. هو كل الخير. فمن لُطف اللَّطِيف بعباده أنه يقدّر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم.. لا بحسب رغباتهم. وقد يُخفي الأمور في أضدادها.. كأن يجعل الخير في المنع.. فربما منع عن العبد شيئا يحبه ليبعده عن شرّ يكرهه. نصيب العبد من اسم الله اللطيف: أن يتلطف مع الناس عامة.. ويحنو على ضعفائهم.. وينتقي لطائف القول في حديثه: لا يغتاب أحداً أو يذكره بسوء.. ولا يقول إلا خيراً.. ويعرف أن الله رفيق يحب الرفق: (.. إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ.. وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ). معرفة العبد باسم الله اللَّطِيف يزيد من صلته بالله ويرفع من حسن الظن به والتسليم بأن كل ما يواجه الإنسان في حياته من خير أو شر.. هو من ألطاف الله سبحانه وتعالى.. فلا شيء يستحق الندامة، ولا شيء يدعو للإعجاب بالنفس.. فكلها ألطاف الله.