بعد جمود رافق المناهج والخطط الدراسية في المملكة لأعوام دون تطوير ملموس، خرجت وزارة التعليم قبل أسبوع بخطة طموحة لكسر الجمود ونفض الغبار عن مناهج ظلت لسنوات دون تحديث. ووجه وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ رسائل واضحة في حديث له، بأن الوزارة ماضية في رحلة التطوير دون تردد، داعياً الجميع للانضمام في الرحلة نحو رفع مستوى التعليم في المملكة أو التزام الصمت لإتاحة الفرصة للوزارة بالعمل على أهدافها. وظل التقويم الدراسي والخطط الدراسية والمناهج في المملكة بلا تطوير حقيقي وعميق طوال نحو 28 عاماً مضت، إلا أنها ستكون مختلفة في العام الدراسي القادم، لتكون مواكبة للتطور التعليمي في البلدان المتقدمة. وبعد التغيير الأخير الذي أعلنه وزير التعليم، تحدث مختصون ومهتمون بالتعليم، أن التعليم السعودي كسر الجمود، الذي قيّده سنين طويلة. ورأت وزارة التعليم أن التغيير لا بد أن يحدث، تغيير للأمام يمنح المتعلمين معرفة ومهارة، أسوة بأقرانهم في الدول الأفضل تعلماً وتعليمياً، ما جعل الوزارة تبدأ رحلة في التطوير كما أسمتها. وأجرت الوزارة دراسات متأنية لرفع كفاءة التعليم في المملكة، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتشكيل فرق متخصصة للعمل على تطوير المناهج والخطط الدراسية، وإجراء مقارنات معيارية بين الفجوة التعليمية وبين المخطط لتحقيقه من عمليات التطوير، ودراسة وتحليل للمقارنات الدولية مع أفضل الممارسات العالمية، وتنفيذ بعض المعالجات لرفع نتائج الطلاب والطالبات في الاختبارات الدولية، وتعزيز مهارات الفهم القرائي والكتابي وزيادة ساعات العلوم والرياضيات لدى الطلبة، واستمرار عمليات التطوير التي قامت بها الوزارة على مدى عامين من خلال تضمين مواد جديدة، وتطوير مناهج قائمة، وتقديم تدريس مواد أخرى، بناء على احتياج كل مرحلة وفصل دراسي. ويسهم التقويم الدراسي الجديد -بحسب ما ذكرته الوزارة- في تعويض الفجوة التعليمية بين سنوات السلم التعليمي وسنوات الدراسة الفعلية أثناء الرحلة التعليمية، ويعزز من قدرات الطلاب وتمكينهم في المجالات المختلفة بما يتواكب مع مهارات القرن ال21. 3 فصول و12 إجازة اختلف التقويم الدراسي الجديد عن سابقه بأنه تضمن 3 فصول دراسية، وعمليات تقويم متنوعة، تساهم في تطوير قدرات ومهارات الطلاب والطالبات، وتحسين نتائجهم في الاختبارات الدولية. ويتضمن التقويم الدراسي الجديد إجازات رسمية تصل إلى 12، فيما زادت عدد إجازات الفعاليات والمناسبات الوطنية لتكون 9 إجازات، بينما في التقويم السابق واحدة فقط. وأيام الدراسة الفعلية في نظام الفصلين لا تتجاوز 154 يوماً أو أقل من ذلك، إضافة إلى قلة عدد أيام الدراسة بشكل عام، والتي كانت 177 يوماً في التقويم الدراسي، فيما بلغت أيام الدراسة الفعلية في نظام الفصول الثلاثة 183 يوماً يفصلها أسبوع بعد الفصل الأول والثاني. والخطة الدراسية الجديدة في توزيعها الحالي تتيح الفرصة لقادة المدارس والمشرفين التربويين من الكشف المبكر عن السلبيات، ومنحهم فرصاً أكبر لمعالجتها، كما أن التقويم الدراسي الجديد يوظف ويعزز التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، من خلال منصة مدرستي في كل مكون رئيسي وأساسي من الخطط الدراسية. مناهج جديدة وتطوير المحتوى التعليمي كان اللافت في الخطط الدراسية الجديدة إدخال مواد جديدة، وتطوير أخرى قائمة، بهدف تنمية المهارات لدى الطلاب والطالبات، حتى تتناسب مع التطور المعرفي والتقني الذي يشهده العالم. وأدخلت وزارة التعليم في مناهجها الجديدة مادة المهارات الرقمية بدءاً من الصف الرابع وتطبيق سلسلة عالمية جديدة، ومادة التفكير الناقد في الصفين الثالث المتوسط والأول ثانوي وتطبيق مناهج جديدة، مادة التربية البدنية والدفاع عن النفس بدءاً من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث المتوسط وتطوير مناهج لذلك، ومادة المهارات الحياتية والأسرية بدءاً من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث المتوسط، وتطوير مناهج الدراسات الإسلامية في كتاب واحد مع المحافظة على الأهداف التعليمية لكل صف، وتطوير مناهج الدراسات الاجتماعية وإثراء المواطنة وتعزيز الشخصية الوطنية، وتطوير 21 منهجاً للتربية الخاصة، وتطوير مجالات التربية الفنية لتشمل التشكيلية والبصرية والأدائية. وعملت وزارة التعليم على إثراء المحتوى في مادة الرياضيات وإعادة تشكيل مصفوفة المدى والتتابع وصياغة الأهداف، وزيادة المفردات والمحتوى لكل صف مع الإثراء، والرفع من مستوى التطبيقات والتدريبات، وإضافة الوحدات الدراسية المطلوبة، وإثراء الوحدات الدراسية الحالية لتحسين نواتج التعلّم، كما عملت في مادة العلوم على إثراء المحتوى وإعادة تشكيل مصفوفة المدى والتتابع وصياغة الأهداف، وزيادة المفردات والمحتوى لكل صف مع الإثراء، والرفع من مستوى التطبيقات والتدريبات، وإضافة الوحدات الدراسية المطلوبة، وإثراء الوحدات الدراسية الحالية، إضافة إلى تقديم بدء اللغة الإنجليزية إلى الصف الأول الابتدائي، وتطبيق سلسلة عالمية جديدة ومتقدمة للمرحلة الابتدائية، وكذلك للمرحلة الثانوية. أكاديميون: تطوير المقررات يساهم في إعداد جيل منافس شدد أكاديميون ومختصون على أن خطة تطوير المناهج الدراسية التي أطلقتها وزارة التعليم، تواكب التوجهات العالمية لتحسين المخرجات التعليمية، وتسهم في رفع القدرات والمهارات لدى الطلاب، لإعداد أجيال قادرة على التعامل مع متطلبات وإفرازات الثورة الرقمية، والمنافسة عالمياً. وأشار أستاذ المناهج وطرق التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور علي أحمد عبدالله المنتشري، إلى أهمية تطوير المناهج الدراسية وما يرافقها من تطوير المهارات والقدرات واستغلال أوقات الأيام الدراسية، موضحاً أنها كانت تتضمن أوقات فراغ غير مستغلة حتى عالجتها خطط الوزارة بإضافة ساعات للأنشطة والمهارات، إلى جانب مواكبة المناهج الجديدة لما توصلت إليه الدول المتقدمة في الاختبارات المعيارية. فيما يرى أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة أم القرى الدكتور هزاع عامر الشمري، أن تطوير المناهج حاجة مستمرة تفرض نفسها على الواقع التعليمي لمواكبة العصر الرقمي والتطورات الحديثة، مشيراً إلى أهمية تطوير البرامج التي تتضمنها المناهج التعليمية وفق المعطيات المطلوبة من المخرجات النهائية، مؤكداً أن خطط تطوير المناهج الدراسية التي تنفذها الوزارة تستحق الثناء؛ لأنها تساهم في نقل الطالب من كونه غير متعلم أو مدرك للمهارات إلى مكتسب وممتلك ومبدع ومنتج فيها. من جانبه، قال مدير عام أكاديمية «مداك» بالمدينة المنورة الدكتور عبدالرحمن مصطفى علوي إن التطوير عملية اعتيادية لمراجعة النظم التعليمية في مختلف بلدان العالم، مؤكداً أن تطوير المناهج في المملكة بمثابة الدور التكاملي الذي تديره وزارة التعليم بين تجارب القطاع الخاص، التي ساهمت سابقاً في تطوير المناهج والعمل عليها، بالإضافة إلى الأدوار التكاملية بين الجامعات والمراكز البحثية والخبراء والمعلمين. وقالت الأستاذ المشارك في المناهج وطرق تدريس اللغة بجامعة أم القرى الدكتورة نورة صالح الفارس، إن خطة تطوير المناهج التي تطبقها وزارة التعليم يُفخر بها جميع السعوديين خصوصا المتخصصين، لأنها ستطور مهارات الطلاب والطالبات بطريقة فعالة وتساهم في تطوير مخرجات التعليم. وأضافت الأستاذ المساعد في قسم المناهج وتطوير التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتورة خلود فواز التميمي، أن منظومة التعليم تشهد حراكاً تربوياً يتعلق بتطوير منظومة المناهج وما يتبع ذلك من تغييرات تتعلق بالسياسات والإجراءات والمراحل الزمنية، وهو ما يوسع دائرة الأمل نحو إخراج وإعداد أجيال قادرة على تلبية التطلعات والاحتياجات والارتقاء بسمعة المملكة محلياً ودولياً، لأنه بني وفق منهجية علمية ومشاركة عدد كبير من المختصين والخبراء والاستفادة من المقررات المرجعية الموجودة لدى الدول المتقدمة، موضحة أن تحقيق الأهداف كاملة على أرض الواقع يرتبط بالمعلمين والمعلمات ومديري المدارس وأولياء الأمور وتفاعلهم مع دعم هذه التوجهات التطويرية. وأشار مدير برامج التربية الخاصة بوزارة التعليم الدكتور سعود عبدالله القباني، إلى جهود الوزارة في سد الثغرات التعليمية الموجودة سابقاً سواء بين التعليم العام والجامعي أو بين التعليم السعودي ونظرائه في دول العالم، مؤكداً أن الخطوات الأخيرة التي قامت بها الوزارة في برنامج تطوير المناهج ستظهر انعكاساتها على الدراسة العامة والجامعية وتجني الأجيال القادمة ثمارها. وقال وكيل كلية التربية للجودة والتطوير بجامعة الملك سعود الدكتور أنس بن إبراهيم التويجري، إن تطوير النظام التعليمي مهم جداً لمقياس نهضة الأمم، وإن ما تبذله وزارة التعليم من تطوير للمناهج والخطط الدراسية سيكون له نقلة كبيرة لتطوير التعليم في المستقبل لدينا بما يتوافق مع رؤية 2030. وثمنت أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة شقراء الدكتورة ابتسام عبدالعزيز الناهض جهود وزارة التعليم في تطوير البرامج والمناهج وحرصها على أن تكون المملكة ضمن السباق العالمي للوصول بالتعليم إلى مرتبة تليق بمكانتها، مشددة على ضرورة تطوير الخطط الدراسية للرقي بالمنظومة التعليمية كاملة.