هل سألت نفسك يوماً: كيف للعلم أن يورَّث؟! وكيف للأجيال أن تدرس؟!.. عندما تجد ضالتك وحكمتك بين البشر.. عندما تتعلم من كل ما تقابله من خبرات الغير، والتي تختصر تلك السنين الطوال من خبرات أصحاب النفوذ والعلم، ولو بكلمة أو نصيحة أو عبارة. ذلك الحال كان معي عندما سمعت أحد الأطباء يهدي حكمة لأحد متدربيه قائلاً: «لا يطلب العلم إلا راغب أو راهب».. ما إن سمعت تلك الكلمة حتى أغمضت عيني، وأبحرت في عمقها، ولا أدري إن كان المتدرب أخذها بعين الاعتبار كما فعلت أم لا. أمعنت التفكير في تلك الحكمة، وأنه على الرغم من صعوبة العلم إلا أن سر وصولك له تكمن في الرغبة، ثم توغلت في المقارنة بين الراغب والراهب، وتساءلت: هل الراهب إن كان يمتلك العلم وكان صاحب منطقٍ ومبدأ ستهون عليه نفسه وعلمه ليصبح راهباً؟!.. ولكن التشبيه هنا يؤكد لك أن العلم ليس أمراً سهلاً على طالبه، وإنما لا يصله إلا راغب.. ومن باب التعجيز والتصعيب يأتي التشبيه بالراهب. ثم تركت كل ذلك وأمعنت التفكير في مفهوم الرغبة، ذلك الشعور الذي يولد من غيابة القلب، ويستوطن العقل، فيضيء وهج الأمنيات، ويخطو أول خطوات الأحلام. «الرغبة» هي ذلك الشعور الذي تنحدر من بعدها كل الأساسيات؛ إصرار، عزيمة، نجاح، واستمرار.. ومع الرغبة تولد كل تلك العناصر. فعندما يستقر ذلك الشعور في القلب والعقل، تكون قد غرست «الرغبة» أول بذرة لحصادها، وأشعلت أول شرارة في فتيل الإنجازات.. وحين يبدأ هذا الشعور بالتحرك داخلنا تبدأ كل حواسنا، وأفكارنا، وأهدافنا، بالسير نحو ما نريد بشكل لا إرادي، تكون الرغبة هي أول ما يقودك لما تريد. ومن هنا نصل لاختلاف رغبات البشر، بإدراكهم للأمور، ورغبتهم الخاصة بالوصول لما يريدون، بحسب قناعاتهم واحتياجاتهم، وبين اختلاف المقصود والمطلوب، تتشابه الأدوات والأساسيات، لتكون الرغبة حاضرة بين المعطيات، رغم اختلاف المتطلبات. ربطت تلك الحكمة بالمتدربين مع طبيبهم، فوجدت منهم من تقوده رغبته للعلم والسؤال عما يعيقه، حتى إذا ما انتهى الطبيب من الجواب، قادته رغبته للتعلم إلى سؤال آخر.. ومنهم من يهديه الطبيب جزءاً من خبراته وحصيلة معلوماته ولا يلقي لكل ذلك بالاً. تأملت في حال كلِ منهم، فوجدت أن «الرغبة» قادت بعضهم للتعلم والسؤال الدائم، لإشباع الفضول والرغبة بالعلم، وملء الاستفهام بما يجود به من الخبرات والمعلومات الشافية والكافية لرغبة المتعلم، ثم تذكرت قول الله عز وجل (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. أيقنت أن الرغبة بالتغير تولد من أنفسنا وذواتنا، وهي أولى الرغبات المفروضة، لما بعدها من الأمور المطلوبة.