حلّقت بأجنحة الزّهو، وسمقت بأطياف الفخار، وخالجني شعور الانتماء الحقيقي الأصيل لأمة عظيمة، ووطن معطاء، في ظل قيادتها الراشدة الحكيمة، وأنا أتابع لقاء ولي عهدنا الأمين، محمّد الخير، في اللقاء التلفزيوني الأسبوع الفارط، الذي تناول فيه سموه أبرز ما حققته برامج ومشروعات رؤية المملكة 2030 خلال الأعوام الخمسة الماضية.. مبلغ زهوي وافتخاري تنامى وتسامى واكتمل بما ختم به ولي العهد حديثه، بعبارة حريٌّ بكلّ سعودي منتمٍ لهذا الوطن أن ينقشها على جدار قلبه أولاً بأزميل التذكر الدائم، وأن يسطرها بماء الذهب على صفحة الأيام، وأن يعلّقها في كلّ مكان ويحتفي بها أشد ما تكون الحفاوة والابتهاج.. أنظر، وتأمل وأعد قراءة ما قاله ولي العهد: «المواطن السعودي أعظم شيء تملكه السعودية للنجاح، وأنه بدون المواطن لا نستطيع أن نحقق أي شيء من الذي حققناه، إذا هو غير مقتنع بالذي نعمل فيه وإذا هو ليس جاهزا لتحمل المصاعب والتحديات وإذا لم يكن مستعداً لأن يكون جزءاً من هذا العمل سواء كان موظفاً حكوميّاً أو وزيراً أو رجلَ أعمال أو موظفاً في القطاع الخاص أو أي مواطن في أي عمل يعمل فيه فإنه بلا شك كل الذي نقوله فقط حبر على ورق».. كلمة حق وصدق، ورؤية أمير باصر الفكرة، كانت ولا زالت مرتكز رؤيته الباذخة، التي غيّرت ملامح الأيام في حياتنا، ورفعت عن هذا الوطن الأغلال والمكبلات على كل الأصعدة والمجالات، والحديث في هذا المجال يتراحب ويطول، وبوسعك أن تعيد الاستماع إلى التطواف البديع، والطرح الرؤيوي النافذ الذي قدمه ولي العهد، وسرد من خلاله المنجزات الماثلة، والبشارات المقبلة، والإستراتيجيات المرسومة من أجل رفعة الوطن، ورفاهية المواطن، ووضع المملكة في المكان الذي تستحقه في صدارة المشهد العالمي.. إن تركيز سمو ولي العهد على المواطن وضرورة توفير الحياة الكريمة له، يكشف بجلاء ووضوح عن عظمة هذا القائد الفذ، فمناط اهتمامه بالمواطن جاء شمولياً في رؤية 2030، بإزالة كل العوائق الفكرية التي أقعدت بمجتمعنا، وشوّهت صورته، وسلبته عافية الحياة الطبيعية، ممثلاً ذلك في فكر «الصحوة» البائس، فكان تعامله الحاسم والباتر معها، بما فك عن الوطن قيداً كبّله زمناً، دون أن يكون في ذلك أي خروج عن ثوابت الدين المرعية، بل تحقيق لها بمقتضى الفهم السليم.. وبوسعك أن تعيد على مسمعك قول ولي العهد: «الاعتدال.. كلمة واسعة للغاية، كل فقهاء المسلمين والعلماء من أكثر من ألف سنة وهم يجتهدون بما هو مفهوم الاعتدال، لا أعتقد أنني في موقع أستطيع فيه تفسير ما هو مفهوم الاعتدال بقدر ما ألتزم بدستور المملكة العربية السعودية الذي هو القرآن والسنة ونظامها الأساسي للحكم وتطبيقه على أكمل وجه بمفهوم واسع يشمل الجميع». مضيفاً سموه بقوله: «إن دستورنا هو القرآن كان والآن، وسوف يستمر للأبد والنظام الأساسي في الحكم ينص على ذلك بشكل واضح للغاية، نحن كحكومة أو مجلس الشورى كمشرّع أو الملك كمرجع للسلطات الثلاث ملزمون بتطبيق القرآن، لكن في الشأن الاجتماعي أو الشخصي فقط مُلزمين بتطبيق النصوص المنصوص عليها في القرآن بشكل واضح، يعني لا يجب أن أطرح عقوبة شرعية بدون نص قرآني واضح أو نص صريح من السنة».. أستطيع القول إن هذه النقطة بالذات هي الأكثر أهمية في رؤية 2030، فتحرير العقل السعودي من قبضة «الصحوة» كان يمثل هاجساً مهماً، كونها كانت عقبة كأداء، وصخرة في طريق التقدم والنماء والتنمية، وهي التي شلّت نصف المجتمع بنصوصها الزواجر التي لا سند لها في الشرع، وعبثت بالنصف الآخر فحشت الأدمغة بثقافة الموت، وكراهية الآخر، ولغمت أجواء المملكة، ورسمت لها صورة شائهة في مرآة المجتمع الدولي، ليأتي «محمّد الخير» برؤيته المنيفة، ليفك عن المرأة السعودية أغلالها، ويفتح لها نافذة التحليق في رحاب الوطن وتنضم إلى رصيفها الرجل في مسيرة النماء والعطاء.. وفي هذا تأصيل للهوية السعودية الحقة، والتي يراهن عليها في الثبات والتميز بقوله: «إذا هويتك لم تستطع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم معناه أن هويتك ضعيفة ويجب أن نستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل السلبيات التي فيها وتحفز الإيجابيات التي فيها.. معناها أنت حافظت على هويتك وطورتها».. هذا هو الرهان الذي اعتمد عليه ولي عهدنا، وهو يمضي بنا في مسيرة النماء، معيداً للحياة السعودية رونقها، وللإنسان السعودي عافيته، ولست بخائض في ما أنجزته الرؤية خلال السنوات الخمس سواء على المستوى الاقتصادي أو التعليمي أو التنموي فلذلك رجاله المتخصصون، وإن كنت أشفق عليهم من التعب والإرهاق وهم يركضون وراء تعداد ما أنجز، وعظمة ما تحقق.. فما أعظم الرؤية، وما أعظم القائد البصير بشعبه، الواعي بمقاصده، المدرك لخصائصه، المستنهض لهممه العالية حين يراهن عليهم في إنزال «الرؤية» إلى أرض الواقع رغم كل التحديات بقوله: «أنا أعتقد أن الخوف غير موجود في قاموس السعوديين، ونعمل على تجاوز أي قلق أو هم بإيجاد الحلول لكن الخوف غير موجود، فالمملكة حققت إنجازات كبيرة جداً في السنوات الخمس الماضية، وسنحقق أكثر إلى عام 2025، وإن شاء الله من ازدهار إلى ازدهار»..