أطال الله في أعماركم وحفظ لكم أحبابكم في صحة وعافية. هذه هي الجملة الأولى التي تخطر على بالي، وأنا أكتب حروفا جديدة في عزاء قامة وطنية كبرى من جيل المميزين بعد مغادرة دنيانا وانتقالها إلى دار الحق. أتحدث هنا عن وفاة المهندس الكبير السيد يحيى كوشك بعد عمر طويل تجاوز الثمانين عاما، قضاها في محطات مختلفة من النجاح والتميز. ولد في مكةالمكرمة لأب من تجار مكة المعروفين، تنقل في الدراسة بين الطائف والقاهرة والرياض والولايات المتحدةالأمريكية حتى حصوله على شهادة الدكتوراه في الهندسة. تخصص في الهندسة، وكان لديه أحد أول المكاتب الاستشارية في البلاد، ولقب في وسط زملاء المهنة ب«أبو المهندسين» تقديرا لمكانته بينهم. تنقل في مواقع إدارية مختلفة من أمانة العاصمة المقدسة إلى شركة المياه الوطنية (بمسماها القديم). ولكن يبقى الفصل الأكثر شهرة في تاريخه الشخصي وحياته العملية عندما تم تكليفه بقيادة الفريق الفني المكلف بصيانة بئر زمزم، وهي المهمة التي اضطرته لارتداء بدلة ومعدات الغوص والنزول بها إلى البئر أكثر من مرة، وكان لهذه التجربة الفريدة والاستثنائية أكبر الأثر عليه وجعلته يدون ويوثق تجربته التي أثارت فضول الملايين من المسلمين حول العالم في كتاب مصور وجميل لقي الرواج والقبول والانتشار الهائل، وخصوصا أنه تمت ترجمته إلى لغات أخرى غير العربية. اتجه الرجل بعد ذلك إلى العمل الخاص، واهتم بشكل شخصي ومكثف بعلوم الطاقة والطب البديل، وأنشأ مركزا لذلك في مدينة جدة. كان الراحل -رحمه الله تعالى- عضوا في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، عرف بشغفه وشجونه وحبه للمؤسسة. كان ودودا أنيس المشعر لطيف اللسان كريم الأخلاق لم تغيره المناصب ولم تبعده الأيام. رحل فارس آخر من زمن جميل. رحم الله يحيى كوشك رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون. كاتب سعودي [email protected]