عكَس الموقف الشعبي السعودي الرافض للتقرير الاستخباراتي الأمريكي، وقوف الشعب خلف قيادته، صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، واثقاً في كل خطوة اتخذتها القيادة والقرارات القضائية التي التزمت بها للتعامل مع قضية خاشقجي، ومنع تكرار مثل هذه الحادثة، وهو الأمر الذي ألجم المسيّسين ودحر المغرضين ورفض المساس بسيادة ورموز الدولة كونهما خطا أحمر.. لقد وثق الشعب بإجراءات القضاء في المملكة وكفاءة ومهنية القضاة السعوديين.من جهة أخرى، أثار نشر الإدارة الأمريكية تقرير استخباراتها بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تساؤلات عديدة حول ضرورة وجود مصداقية وشفافية عالية لمثل هذه التقارير التي تصدر من أكبر مؤسسة أمنية في العالم، التي يفترض أن تحظى بدرجة عالية من الدقة وعدم الارتهان للاستنتاجات الظنية، فضلاً عن عدم رمي الاتهامات جزافا على رموز الدولة، خصوصا أن مثل هذه التقارير تسيء لمصداقية السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، وتعكس نموذجاً لموقف كان يمكن لإدارة بايدن التعامل معه بشكل مختلف للحفاظ على شريك استراتيجي، وتحالف يعود لأكثر من 70 عاما، خصوصا أن المملكة طبقت القانون، وحاكمت المتهمين في جريمة قتل خاشقجي، وحضر جلسات محاكمتهم ممثلون من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، كما حضر محاكمتهم ممثل لتركيا، إضافة إلى حضور ممثلي المنظمات الحقوقية السعودية، وأبناء المجني عليه، ما يعكس منهج الشفافية التي طبقتها السلطات القضائية السعودية. وفي غمرة ردود الفعل المتوالية من مختلف الجهات والمستويات الخليجية العربية والإسلامية المنددة، وبالعودة إلى نص التقرير، يبرز غياب واضح للمعلومات، والأدلة، والتحليل، والقرائن، خصوصا أن قضية جمال خاشقجي مثلت عملا إجراميا بشعا، واتخذت المملكة كافة الإجراءات القضائية لمحاسبة المسؤولين عنها. المملكة كانت ولا تزال حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، وتتطلع الرياض إلى تعزيز العلاقات معها في مواجهة التحديات المشتركة، وتكثيف الجهود للتعاون في مختلف الملفات والمواضيع ذات الاهتمام المشترك بما يحقق مصالح البلدين، خصوصا أن الشراكة بين المملكة والولاياتالمتحدة هي شراكة قوية وتاريخية ومتينة، وتعمل المؤسسات في البلدين على تعزيزها في مختلف المجالات، وتكثيف التنسيق والتعاون بينهما لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والعالم. ومن الأهمية الإشارة إلى أن الأخطاء والتجاوزات تحدث في كل دول العالم مهما كانت قوة النظام، ويبقى دور الدولة في معاقبة مرتكبي تلك التجاوزات، واتخاذ أشد الإجراءات لضمان عدم تكرارها وهو ما قامت به حكومة المملكة في حينه، ولنا في ما حصل في سجن أبو غريب العراقي من قبل عناصر من القوات الأمريكية تجاوزواً للصلاحيات الممنوحة لهم وقيامهم بتعذيب المساجين العراقيين، ولم يكن يعلم بفعلهم رئيس الولاياتالمتحدة، ولا نائب الرئيس، ولا وزير الخارجية. كما أننا شاهدنا في الماضي كيف أن بعض التقارير الاستخبارية المبنية على استنتاجات خاطئة ترتبت عليها نتائج كارثية في منطقتنا، كالحرب على العراق التي بنيت على معلومات استخبارية خاطئة.. كل شيء قابل للنقاش في المملكة دولة القانون والشفافية والنزاهة.. إلا السيادة.. والقيادة فهما خط أحمر.