تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيال الظل.. المسرح في العصر العباسي
نشر في عكاظ يوم 05 - 02 - 2021

من أكثر ما يميز التجربة الثقافية في تاريخ الحضارة الإسلامية هو قدرتها على التكيف مع القيم والأحكام الدينية، وإنتاج بدائل لا تتعارض مع الحكم الفقهي، أو العرف الأخلاقي بطريقة يكون فيها البديل الجديد منتجاً فريداً بحد ذاته، وفناً مستقلاً يضاهي الفنون التقليدية الشائعة.
من الأمثلة على ذلك، فن الزخرفة الإسلامية والنقوش، والرقش، والتزويق، والخطوط، حيث يُعزى ازدهار هذا الفن إلى تحريم نحت التماثيل والصور -على اختلاف في هذا الأمر-، فالموقف الشرعي العام الرافض للتماثيل ورسم ذوات الأرواح، دفع نحو مجال جديد مختلف وهو الإبداع الهندسي الفني الفريد في فنون الزخرفة والنقوش، وهذا الفن يعتبر إضافة فريدة، وبصمة تميز الفن الإسلامي، وسمة لازمة في تاريخ الحضارة الإسلامية.
الأمر ذاته ينطبق على فن المسرح، الذي لم يُذكر له حضور في المجتمعات الإسلامية المبكرة، ولم تُورد لنا كتب التاريخ والأدب شيئاً عن المسرح عند العرب، وربما يعود غيابه لأسباب دينية أو ثقافية -وهو موضوع يستحق البحث والتساؤل- لكن في المقابل لو بحثنا عن البدائل التي توازيه لوجدنا أنماطاً من الفنون كان لها حضور واضح وبارز، هي بمثابة البديل عن المسرح التقليدي، فبرزت أنشطة ذات ظواهر مسرحية، مثل «الحكواتي»، و«الأراجوز»، و«صندوق الدنيا»، و«خيال الظل»، وهو أهمها وأقربها إلى المسرح المتعارف عليه.
ويُروى أن العرب تعرفوا على «خيال الظل» عن طريق الهند، وقيل إن الصينيين هم الذين نقلوه إلى العالم الإسلامي بشهادة المؤرخ رشيد الدين المتوفى عام 718ه، في كتابه «جامع التواريخ».
و«خيال الظل» هي منصة عرض «يتم التمثيل فيها على ستارة من القماش الأبيض تنعكس عليها من الخلف شخوص من الجلد الملون المخرم، بوساطة مصباح يعكس ظلالها على الستارة، وتتحرك هذه الشخوص وأعضاؤها (الرأس والأيدي والأرجل) بوساطة عصي أو قضبان خشبية أو خيوط يمسك بها «الكراكوزاتي»» (الموسوعة العربية).
أما أمرها عند العرب قديماً فيصفه أحمد تيمور باشا، حيث يقول: «يتخذون له بيتًا مربعًا يُقام بروافد من الخشب، ويُكسى بالخيش أو نحوه من الجهات الثلاث، ويُسدل على الوجه الرابع ستر أبيض، يُشدُّ من جهاته الأربع شدًّا محكمًا على الأخشاب، وفيه يكون ظهور الشخوص. فإذا أظلم الليل دخل اللاعبون هذا البيت، ويكونون خمسة في العادة؛ منهم غلام يقلد النساء، وآخر حسن الصوت للغناء. فإذا أرادوا اللعب أشعلوا نارًا قوامها القطن والزيت تكون بين أيدي اللاعبين، أي بينهم وبين الشخوص، ويُحرَّك الشخص بعودين دقيقين من خشب الزان، يمسك اللاعب كلَّ واحد بيد، فيحرك بهما الشخص على ما يريد. وتُتَّخذ الشخوص من جلود البقر، ويصورون منها ما يشاءون من الشخوص، ثم يصبغونها بالأصباغ على ما تقتضيه ألوان الوجوه والثياب، وأجسام الحيوان وجذوع الأشجار وأوراقها وثمارها وأحجار المباني وغير ذلك، بحيث إذا عُرضت الصور أمام ضوء النار المشتعلة ظهرت زاهية بهيَّة لشفوف تلك الجلود».
ويذكر تيمور باشا أن أقدم خبر عن فن «خيال الظل» عند العرب، هي من ملاهي القصر بمصر في عهد الدولة الفاطمية (التي انتهت سنة 567ه). وكان لسلاطين مصر ولع بخيال الظل حتى حمله السلطان شعبان معه لمَّا حجَّ سنة 778ه مع ما حمله من الملاهي، فأنكر الناس عليه ذلك كما في «درر الفرائد المنظمة» للجزيري.
وقد أخرج السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي من قصور الفاطميين من يحضر «خيال الظل» ليريه للقاضي الفاضل، فقام عند الشروع فيه، فقال له الملك: «إن كان حرامًا فما نحضره»، وكان حديث عهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة، فما أراد أن يكدر عليه، فقعد إلى آخره فلما انقضى قال له الملك: كيف رأيت ذلك؟ فقال: «رأيت موعظةً عظيمةً؛ رأيت دولًا تمضي، ودولًا تأتي، ولما طوى الإزار طيَّ السجل للكتب إذا المحرك واحدٌ».
ومن مسرحيات «خيال الظل» التي عرفها العرب، مسرحية «عَلم وتعادير»، هي أشهرها وأطولها، وكانوا يعرضونها في القهاوي، مقسَّمة على سبع ليالٍ، فتستغرق الأسبوع، ولكنهم يختصرونها في الأعراس بحذف الأزجال والألعاب، فيلعبونها في ليلة واحدة، وفيها الشخوص نحو 160 قطعة من إنسان وحيوان وأشجار وأثمار ومبانٍ. وملخصها أن تاجرًا من بغداد يسمَّى «تَعَادير» يسافر إلى الشام فيصادف بها «عَلَم»، وهي فتاة قبطية بنت الراهب «مِنَجَّى» تسكن مع أبيها وأخيها في دَيْر، فيشغف بها حبًّا ويحتال حتى يجتمع بها، ويظهر لها وَلَهه، عارضًا عليها الإسلام ليتزوَّج بها، فتأبى فيشرع في الاحتيال عليها، وتأخذ هي في مكايدته ومعاكسته فيما يحاوله من الاتِّجار، وتدخله مرة الدير وتدعي عليه السرقة، فيُحكم بقطع يده ثم يُبرَّأ، وينشئ بستانًا قبالة الدير تقربًا إليها، ثم يحرقه من إغاظته منها، فيُحكم عليه بالجنون، ويؤخذ إلى البيمارستان (المستشفى) فيمكث فيه سبع سنوات حتى يعيي داؤه الأطباء، فيستحضرون له طبيبًا من بغداد اسمه الحكيم «كامل»، فيعالجه ويشفى على يديه. وبعد خروجه يعود إلى مغازلة «عَلَم»، فيجد أباها مات. وينتهي أمرهما إلى أن تسلم ويتزوج بها، بعد أن يهدم الدير ويبني لها قصرًا مكانه، وينقل إليه الجهاز قطعة قطعة. (انظر كتاب: خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب، أحمد تيمور باشا). وهناك عروض وقصص أخرى مثل: التمساح، وأبو جعفر، والأولاني، والحجِّيَّة، والشيخ سميسِمْ، وغيرها.
هذه العروض تكشف لنا عن النسخة العربية من المسرح، وطبيعة الفنون البصرية والتمثيلية في الحضارة الإسلامية، والحكايات الشعبية التي يتداولها الناس، وتوضح لنا صورة من حياة الخاصة والعامة.. عن أشواقهم، ولهوهم، ولعبهم، ورفاهيتهم، وترفيههم.. عن تنوع الثقافة والفنون، وثراء الحياة الاجتماعية، ورقيها في المجتمعات الإسلامية المبكرة، عن فن الاستمتاع بالحياة، وطقوس التجمعات العامة، وحياة المقاهي، وليالي الأنس والسمر.. وهي مواضيع لم تأخذ حقها من العناية والدرس والتحليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.