يوم الجمهورية يذكرنا بالقيم الواردة في دستورنا، والذي دخل حيز التنفيذ في 26 يناير 1950، معلناً أن الهند دولة علمانية وجمهورية واشتراكية وديمقراطية ذات سيادة. يمكن تفسير دستور الهند على أنه وثيقة متعددة الثقافات قام بصياغتها الأعضاء الذين كانوا ينتمون إلى المناطق والديانات وخلفيات اجتماعية، اقتصادية مختلفة وعبر المناطق الريفية والمناطق الحضرية. وتعد الهند واحدة من أقدم الحضارات في العالم، واستوعبت ودمجت دوماً أفكارا جديدة وعادات وتقاليد في عملية التنويع وإثراء ثقافتها الخاصة والظهور كدولة حديثة متطلعة إلى الأمام وتفتخر بوجود مجتمع شامل وتعددي وتوفر فرصًا متكافئة لجميع المواطنين. وبينما يصبح العالم أكثر عولمة ومترابطا، تقف الهند شامخة كدولة لها نظرة عالمية بثقتها وبالشفافية والانفتاح ومبادئ السوق، وحرصها على مشاركة معارفها ومواردها مع بقية العالم. وما زالت الهند في طليعة الانتعاش الاقتصادي الجديد في آسيا مع النمو في اقتصادها بنسبة متوسط معدل سنوي يبلغ نحو 7٪ خلال العقد الماضي. لحسن الحظ، يسير الاقتصاد الهندي الآن على مسار الانتعاش مدعومًا بانتعاش الطلب على السلع الاستهلاكية، ونشاط التصنيع العالي، وحزمة التحفيز الاقتصادي الرئيسية البالغة 2.66 مليار دولار أمريكي التي قدمتها حكومة الهند في المشاريع الرئيسية المركزة على النمو، إضافة إلى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكل جريء. كما أرسل إطلاق أكبر حملة تطعيم ضد فايروس كوفيد 19 في العالم، وعلى الرغم من الجائحة، بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الهند رقماً قياسياً قدره 50 مليار دولار بما في ذلك التدفقات البالغة قيمتها أكثر من 20 مليار دولار أمريكي في أسواق رأس المال، مما يجعل الهند واحدة من الأسواق الناشئة حتى أثناء الجائحة. وتتحرك الهند على طريق استعادة لقبها كأسرع اقتصاد رئيسي نموًا في العالم حسب شركة البيانات والتحليلات، إذ تتوقع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 9.7٪ خلال عام 2021. وتوقعت كيانات الأعمال الأخرى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بأقصى ارتفاع إلى 10-12٪ للهند، وعلى الصعيد العالمي، انضمت الهند إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم، وتولت أيضًا رئاسة مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون وستلعب الهند دورًا مسؤولاً وتعطي الأولوية لقضايا مثل تعزيز الحلول الشاملة للسلام والأمن الدولي، وفي إعطاء استجابة فعالة لمكافحة للإرهاب الدولي. وفي ما يتعلق بتغير المناخ، فإن الهند ليست على المسار لتحقيق أهداف اتفاقية باريس فحسب، بل من المتوقع أن تتجاوزها، وعلى الصعيد الثنائي، تطورت العلاقات بين الهند والسعودية إلى الشراكة الإستراتيجية، وتشكيل مجلس الشراكة الإستراتيجي كأعلى آلية ثنائية بين البلدين يمثل عهداً جديداً من التفاهم والتقارب والتعاون. شراكتنا الإستراتيجية تتركز حول التعاون السياسي والأمني والإستراتيجي والتعاون الدفاعي وأمن الطاقة، والأمن الغذائي، والتعاون الاقتصادي، والاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة، والرعاية الصحية والتكنولوجيا، والتعاون الثقافي. إن المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد الولاياتالمتحدةوالصين والإمارات. وبلغ حجم التجارة الثنائية 33 مليار دولار خلال الفترة 2019-2020، بما في ذلك واردات الهند من المملكة بقيمة 26.84 مليار دولار وصادرات الهند إلى المملكة بقيمة 6.25 مليار دولار أمريكي. ومن منظور المملكة العربية السعودية، تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري بعد الصين. حيث إن الهند المصدر الرئيسي السادس للواردات السعودية وثاني أكبر وجهة للصادرات السعودية. ولا تزال المملكة العربية السعودية تتعاون مع الهند في مجال أمن الطاقة إذ تلبي 18٪ من نفطها الخام و30٪ من احتياجاتها من غاز البترول المسال. واستمرارًا لاتجاه الحصول على عدد كبير من التراخيص للمشاريع الأجنبية الجديدة في المملكة، قامت الشركات الهندية بالحصول على التراخيص الجديدة الصادرة من وزارة الاستثمار من يونيو إلى سبتمبر 2020 من خلال الحصول على 30 من أصل 306 رخص. وتجاوزت الاستثمارات الهندية التراكمية في المملكة الآن 1.5 مليار دولار . أما في ما يتعلق بالجانب السعودي، فقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن استثمار 1.5 مليار دولار على منصات جيو في يونيو 2020. وتنظر المملكة إلى الهند كوجهة مفضلة للاستثمارات لا سيما في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي وستارت اب والتجارة الإلكترونية. وقامت السفارة بإعادة إطلاق شبكة الأعمال السعودية -الهندية والمنتدى الطبي الهندي السعودي (ISMF). وبفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي مع وجود القوات البحرية القوية، كانت الهند في الطليعة في تعزيز السلامة والأمن البحري في المحيط الهندي وتقوم القوات البحرية بنشر سفنها لعمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. كما بدأت الهند أيضًا عمليات الأمن البحري في خليج عمان وتستضيف التمارين البحرية متعددة الأطراف والتمارين البحرية الثنائية وتتخذ العديد من المبادرات نحو زيادة الوعي في المجال البحري وتقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، والزيارة الأولى من نوعها التي قام بها رئيس أركان الجيش الهندي، الفريق الأول/ام ام نارافاني للمملكة العربية السعودية في ديسمبر 2020، فتحت آفاقًا جديدة للتعاون الدفاعي بين البلدين في مجالات التمارين العسكرية المشتركة وتبادل الاستخبارات العسكرية والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب والتعاون البحري والتدريب وبناء القدرات. والرعاية الصحية هي مجال آخر مهم في تعاوننا الثنائي في إطار مجلس الشراكة الإستراتيجي وتجري مناقشة بين البلدين لإبرام مذكرة التفاهم الجديدة حول التعاون الصحي، أود أن أغتنم هذه الفرصة لأهنئ المملكة على إدارة جائحة كوفيد. لقد أثبتت المملكة أن صحة ورفاهية جميع سكانها تمثل أولوية قصوى لحكومة المملكة العربية السعودية التي اتخذت جميع التدابير اللازمة للسيطرة على انتشار الوباء. كما أود أن أشيد بالمملكة وقيادتها للنجاح الباهر لإقامة قمة مجموعة العشرين التاريخية وكان عقد الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون والهند في نوفمبر 2020، بمثابة مشاركة دبلوماسية مهمة أخرى وتعهد الجانبان بالعمل معا لتعزيز السلام والاستقرار على المستوى الدولي وزيادة تعزيز التجارة الثنائية. ونفذت الهند أكبر مهمة تسفير في العالم مسمى ب«مهمة فاندي بهارات» وقامت بتسهيل السفر لأكثر من 4.5 مليون مواطن هندي من جميع أنحاء العالم. وفي المملكة العربية السعودية، تمكنت السفارة من تسفير أكثر من 300.000 مواطن هندي إلى بيوتهم في الهند. وكانت هذه أكبر عملية تسفير أجرتها السفارة الهندية بالرياض في تاريخها. أود أن أغتنم الفرصة لأعرب عن عميق امتناني وتقديري لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، على ضمان رفاهية جميع المقيمين في المملكة العربية السعودية. بمن في ذلك المقيمون الهنود خلال هذه الأوقات الصعبة ولدعمهم القوي في رفع العلاقات الثنائية بكافة المجالات. * سفير جمهورية الهند