عند الجزء الشمالي من «جدة القديمة»، بمحاذاة أحد أَتْراسها الثمانية العتيقة جنوباً «باب المدينة»؛ تقبع «حارة الشام» التي احتضنت مقر «القائمقام» والمباني الحيوية قديماً، وأنجبت ذلك الكاتب قبيل نهاية الثلاثينات الميلادية.. ومن «الكتاتيب» الضيقة؛ انتقل إلى «فيكتوريا كوليدج» الفسيحة بالإسكندرية.. وبين «السياسة» تخصصاً جامعياً، وخبرة دبلوماسية بوزارة الخارجية، وتسعة أشهر بين كتب الإعلام الأكاديمية قراءة وتفصيلاً؛ رسم بكتاباته تنظيراً سياسياً بمنهجية تحليلية خاصة.. إنه الكاتب الراحل رضا لاري. بين «الكتاتيب» القديمة والدور المتلاصقة حد العناق في أزقة «حارة الشام»؛ تكونت «كاريزما» ذلك الطفل، بحفظ آي القرآن وقواعد اللغة وأساسيات الحساب.. وبين لهجة «جداوية» ساحرة وبهجة مرح ساخرة؛ أخذ مكان التقدير في عقليات الزمالة والمنافسة.. وحين لم يثر الخصومات؛ فرض نفسه بمحفزات الوصول إلى صداقات صادقة. ولما ارتقى بإنسانيته واستقرأ مجتمعه؛ ضخ التوقّد في سَهْوات الحياة.. ولما كان «كتلة بشرية» بتنوع نقاء وشفافية انتقاء؛ أنجد المكلومين وعاضد المارين بضائقة.. ومن «توقيع ذهبي» لا يرد طلباً لإعانة الآخرين؛ لم يحتمل دمعة عجوز، ولا نحيب امرأة، ولا تأوُّه شاب، ولا بكاء طفل.. مفضالٌ لم يرحل دون أثر. في مسيرة صحفية أدركها متأخراً بعد رحلة مع «الدبلوماسية»؛ تواجد فيهما بقوة أفكار ومشاعر.. وعند آرائه السياسية المقروءة؛ أجاد التنقل بين الألغام دون أن تنفجر.. ومن نصف قرن مع الكتابة التحليلية النقدية؛ كتب بحكايات وشواهد عن كل شيء اختص بحياة الناس، والرثاء الإنساني الوجداني، والأحداث المحلية والدولية، قراءة وتحليلاً. وحين خلَّد تاريخاً في ذاكرة الحَرف والحِرفة بين الدبلوماسية الدولية والكتابة السياسية؛ أثَّر على الرأي العام محلياً وإقليمياً.. ولما أغوته الصحافة قيادياً وكاتباً؛ كان داخلها قاموساً متعدد اللغات.. وعندما كان صحفياً نقياً نظيفاً؛ لم تتأثر مبادئه بالأبواق المزيفة والموجات الزائفة، ولم تدوّن عليه مواقع انزلاق لمكاسب شخصية.. مع الإدارة الصحفية مديراً عاماً ورئيساً للتحرير؛ كان «الصحفي» عنده الأكثر دلالاً، فغادرهما وذاكرة محرريه تلاحق طيفه بلُباب الهيبة وجوهر الطيبة.. أما لماذا رفض تحويل ما يكتبه في الصحف إلى مؤلفات مطبوعة؟ فلإيمانه أن للكتاب معايير تختلف في الطرح عن مواصفات المقالة.. قيمة بعمق فطنة، وقامة بأفق معرفة.