كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم أبو عبيدة معمر بن المثنى، ولد بالبصرة 110ه وتوفي بها 209ه، أديبٌ لغويّ، كان أبوه يهودياً من يهود باجروان من بلاد فارس، يعمل صبّاغاً، وقد عيَّره الأصمعي بمهنة أبيه، قال عنه الجاحظ لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه، وقال عنه الذهبيّ هذا المرء من بحور العلم ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله ولا العارف بسنة رسول الله، وقال عنه ابن قتيبة كان يبغض العرب وصنف في مثالبهم كتباً، وألّف نحو مائتي رسالة في اللغة، والقرآن، والحديث والأخبار، والأدب، والتاريخ وقيل إن أبا نواس هجاه واتّهمه بالفحش! من مآثره: نقائض جرير والفرزدق ومجاز القرآن ورسالة العققة والبررة، ومآثر العرب، ومثالب العرب، وفتوح أرمينية، وما تلحن فيه العامة، وأيام العرب، والإنسان، والزرع، والشوارد، وطبقات الشعراء، وطبقات الفرسان، والمحاضرات والمحاورات، والخيل، والأمثال، وتسمية أزواج النبي.