في جنوبجدة الهادئ، خرج ذلك الإنسان وعاش وترعرع.. وفي حاراتها وأزقتها شرب الصبر والأناة.. وعن والده ورث حب الناس والعطف على المحتاج.. وإلى إخوته نقل تلك السمات بكلمات ذات ذبذبة عاطفية مرتفعة.. وعندما عشق الكلمة الصحفية المجنحة للهدوء وركض وراءها، فرض نفسه في «دهاليز» صاحبة الجلالة بين «الحياة»، و«عكاظ».. وحين أخذ علوم الصحافة من أساتذتها؛ صقلها بما يملك من معرفة.. إنه الراحل محمد عبده الأهدل. في «رثاء» نبع داخل الوجدان والنفس البشرية، تمنى «العكاظيون» أن يكونوا ناظمين فتجود قريحتهم بأبيات رثائية لذلك الزميل الراحل.. وكما كان يشارك القراء أحوالهم بأفراحها وأتراحها بصفحة «الناس»، شارك محبوه في رثائه بقصائد تفردت بالتعبير الصادق والخوالج النفسية.. تلك الوداعية المؤسفة بسطت ظلالها الكثيفة على مساحة حزن عميقة. وعندما غادر عراب صفحتي «نبض» و«الناس» بداء اللحظات المؤسفة «كورونا»، لم يتبق أحد في «عكاظ» لم يبكِه؛ بداية من رئيس تحريرها، ونائبه، وزملائه، والإدارة، والتسويق، وحتى «البوابة».. الكل شارك في توديع ذلك الرجل صاحب الفؤاد الوردي.. وفي وداعيته كان هناك أسى محترق وحزن وحنين لم ينفد رصيده، على زميل يردد حين مرضه «مكتبي وحشني، سأعود إليه بعد شفائي من كورونا». وحين تراءى طيفه بين «العكاظيين»، تذكروا قصيدة المعري في رثاء أخلص أصدقائه.. وجاء «الرثاء» بصياغة حب لمن امتلك البسمة المشرقة والخلق الآسر والطرب الوجداني.. صيغة استعرضت تجربة حقيقية صحفي صادق.. وبتلقائيه ذلك الغائب عن الدنيا؛ هناك تلقائية أقلام وضعت في محبرة الشجن، ولكن الأيدي ظلت عاجزة عن الكتابة. ولما سكن «الحزن» أرواح زملائه، حكيت قصة حب لم تنته بالموت.. وكأنهم يقولون: «أعطوني عيوناً أبكي بها فقد جفت مدامعي».. وحين أدركوا أن «الموت» منتهى كل حي، رددوا: «هاتوا الدموع فعنكم سوف نبكيها».. ودندنوا حزناً: «نحبك حباً لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك».. أولئك هم «العكاظيون» الذين باحت قلوبهم بدمعة ألم منهملة على فراق زميل لن ينسى.