بين أمنيات أب أخذ عنه قيمة وحكمة، وأم لا تتكرر بصماتها ونفحات دعواتها؛ كانت له طفولة ببساطة حياة وعزيمة إرادة وخِصب أُفق.. وبين أمومة نساء لكل أطفال الحي، ولقمة مشتركة وتكاتف جيران؛ هناك أناس شاركوه مسيرة عُمر لإِتمام حلم.. وعن أهله وأحبائه قال: «لولاهم لما أبحرت إلى أعماق الإعلام».. ذلك الإذاعي خالد البيتي. حين أُعجب في مراهقته بجيل متفرد من الحناجر الإذاعية؛ عاش مع أصواتهم معظم وقته وختم معهم حصاد يوم إذاعي بسهرات يومية مؤنقة.. وعندما ظلت تلك النافذة ترافقه أينما ذهب؛ وجد نفسه بين أولئك العمالقة، فتسربت اللغة والمهنة إلى محتواه الأثيري، وتعاهد المسؤولية بالالتزام والانضباط.. فأطل بحنجرته مغرداً مثل صفير بلبل هيج قلوب متابعيه. ومع بدايات بريق شبابه وعنفوانه؛ أصبح الإعلام لديه أَناة وبُغية، والمذياع حديث نفس ونبض قلب، والتلفاز حباً بذاتٍ توّاقة متشوقة.. وبِعباب أمنية وثِقاف لسان؛ انبلج في أروقة مبنى الإذاعة والتليفزيون مذيعاً ومقدماً للبرامج.. ومنذ ذلك الوقت بدأت في أثير إذاعة جدة وتلفازها مسيرة شاب مُشرئب. لمّا ولج الإذاعة والتلفزيون ببوابتهما المهابة وعوالمهما المِكثارة قادماً من الخطوط السعودية؛ حمل معه ملكات المذيع الحاذق، وأدوات اللغوي المُجيد.. ومن مطلب تائق متشوق وملكات مذيع مُتأسٍ؛ حجز لنفسه مكاناً في خارطة ساحة مليئة بأعلام إذاعية وتليفزيونية متمايزة.. ومع جمال نبرته الأدائية وروحه الوثِبة الهادئة؛ لم يجد غضاضة الاستفادة من جيل إذاعي سالف. وبملء حنجرة مبللة بندى مخارج حرف؛ لفت الأنظار إليه بصفاته السامقة وابتسامته المُرسلة.. وبدفء صوت خالٍ من شوائب نُطق؛ حقق الحالِم بعرق التحدي هدفه، ورحل إلى آفاق رحبة بجرسه، وصاغ بوفرة الإنتاج صنعته.. وبعبء مسؤولية ووفاء لمذياع وولاء لتلفاز؛ لم يسمح لعاطفته التغلب على حسه المهني، شعوراً بأمانة الكلمة. ومن مهنية ناضجة وخبرة متراكمة؛ كان على الوعد بترك وفرة وافرة من أرشيف برامجي مرئي ومسموع يبقى زمناً أطول.. وفي سجل عملي ينوء بحصاد إعلامي؛ كانت مسيرته أنموذجاً لجيل بعده.. وعند تقاعده في أوج العطاء المهني والإنساني؛ لم يشخ ولم تُفرغ جعبته من الأفكار الإذاعية والتليفزيونية المُنِيفة.