بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رسالة اطمئنان للعالم في خطابه للشعوب، عكس حرص قيادة المملكة على دفع وتوحيد الجهود الدولية لكتابة فصل المواجهة الأهم في أزمة فاقت في تبعاتها تداعيات الحرب العالمية الثانية. وحظي خطاب الملك سلمان الذي ألقاه في قمة العشرين الافتراضية أمس باهتمام عالمي خصوصاً وأن القمة عقدت في ظروف استثنائية جسدت عالمية الرياض لدول العشرين، كونها تعتبر واحدة من أهم القمم في تاريخ المجموعة منذ إنشائها قبل 21 عاماً. واستذكر الخبراء أول لقاء لقادة القمة قبل 12 عاماً، والتي سعت المملكة من خلالها للتصدي لأزمة عالمية غير مسبوقة عصفت بالإنسان والاقتصاد العالمي.. وعندما قال الملك سلمان إنه على ثقة بأن الجهود المشتركة سوف تؤدي إلى آثار مهمةٍ وحاسمةٍ وإقرار سياساتٍ اقتصاديةٍ واجتماعية من شأنها إعادة الاطمئنان والأمل لشعوب العالم؛ فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز عوّل على أهمية التعاون الدولي في هذا الظرف الدقيق والحساس، فضلاً عن إيمان قيادة المملكة بالنهج الجماعي والتشاركي؛ كأفضل سبيل لمواجهة الأزمات العالمية، وفي مقدمتها جائحة كورونا. وجاءت دعوة الملك سلمان لقادة دول مجموعة العشرين للارتقاء لمستوى التحدي، كإنعكاس للجدية والالتزام منذ اليوم الأول لعام رئاستها في توحيد الجهود الدولية ورفع مدى الالتزام الجماعي؛ لتحقيق أهداف المجموعة من جهة، وتصديها لمسؤولياتها في مواجهة أزمة كورونا من جهة ثانية. ومن الفخر والاعتزاز أن السعودية تعتبر أول رئاسة لمجموعة العشرين تستضيف قمتين في عامٍ واحد، وتصدت لمسؤوليتها التاريخية في أقل من أسبوعين من تصنيف كورونا جائحة عالمية بعقد قمة استثنائية، وستعمل قمة الرياض على تأكيد فاعلية الجهود المشتركة بما في ذلك التعهدات المالية لتعزيز الاقتصاد ودفع جهود إنتاج وتأمين اللقاحات وإعادة فتح الاقتصادات والحدود لتسهيل حركة التجارة والأفراد. وأثرى خادم الحرمين الشريفين خطابه بالوضوح والصراحة عندما قال «اليوم نعمل معاً مجدداً لمواجهة أزمةٍ عالميةٍ أخرى أكثر عمقاً عصفت بالإنسان والاقتصاد». وعلى الرغم من الأثر الكبير الذي تسببت به جائحة كورونا على اقتصادات دول العشرين، إلا أن الرئاسة السعودية لم تركز فقط على سبل تجنيب دول المجموعة تداعيات الأزمة الحالية، بل اهتمت بإنسان العالم ودعم الدول النامية وتعزيز صمود اقتصاداتها تجاه الجائحة. وبدا واضحاً نبرة التفاؤل لدى خادم الحرمين الشريفين عندما قال «نستبشر بالتقدم المحرز في إيجاد لقاحات وعلاجات وأدوات التشخيص لفايروس كورونا»، إلا أنه قال في نفس الوقت «علينا العمل على تهيئة الظروف التي تتيح الوصول إليها بشكلٍ عادلٍ وبتكلفةٍ ميسورة». لقد فرضت جائحة كورونا على عام رئاسة السعودية لمجموعة العشرين إعادة توجيه التركيز على سبل التصدي للأزمة صحياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكنها في الوقت نفسه أبقت على هدف اغتنام فرص القرن ال21 للجميع، لإيمانها بأن ذلك أساس تجاوز التحدي العالمي وتشكيل مستقبل أفضل للشعوب. لقد كان الملك سلمان شفافاً عندما طالب قادة مجموعة العشرين بمعالجة مواطن الضعف التي أظهرتها الأزمة الحالية والتأهب بشكل أفضل للأوبئة المستقبلية، ما يعكس عمق الفكر الذي أدارت به المملكة عام رئاستها واستشرافها المستقبلي لما يجب أن تكون عليه دول العالم من جاهزية كاملة في التعامل مع أية أزمات مماثلة أو أكبر حدة. وحتماً إن قيادة المملكة للعالم، من خلال ترؤسها لقمة العشرين، تثبت قدرتها ومكانتها بين كبار دول المجموعة، وتعظم من دورها كعنصر أساسي لقيادة الاستقرار الإقليمي والعالمي. ولم يتجاهل خادم الحرمين الشريفين الشباب والعنصر النسائي، عندما دعا إلى ضرورة إتاحة فرص النمو للجميع وبالأخص للنساء والشباب وتعزيز دورهم في المجتمع وسوق العمل من خلال التعليم والتدريب وخلق الوظائف، ما يعكس عمق نظرة القيادة لأهمية الدور الذي تلعبه هاتان الفئتان في أي حراك تنموي بأي مكان في العالم. إن قيادة السعودية لمبادرة مهمة بشأن الاقتصاد الدائري للكربون تعكس حرصها الشديد على تهيئة الظروف لخلق اقتصاد أكثر استدامة وتحقيق الأهداف المتعلقة بالتغير المناخي وضمان إيجاد أنظمة طاقة أنظف بأيسر تكلفة. كما استشعرت السعودية أهمية التجارة كمحرك أساسي لتعافي اقتصادات العالم؛ ما دفعها لتبني مبادرة الرياض لمستقبل منظمة التجارة العالمية، بهدف جعل النظام التجاري أكثر قدرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، ك «لبنة أساسية» للنمو بشكلٍ قوي ومستدام وشامل. وحظيت قضية حماية كوكب الأرض في سلم أولويات رئاسة السعودية لمجموعة العشرين، إذ دعا الملك سلمان لمكافحة تدهور الأراضي والحفاظ على الشعب المرجانية والتنوع الحيوي يُعد التزاماً قوياً بالحفاظ على البيئة وحيويتها. خطاب الملك رسالةً طمأنة كونية.. أمل وعمل.. لعالم بلا جوائح.