بدايته كانت مماثلة لأشهر لاعبي كرة القدم، ولمعظم الأطفال في تلك الحقبة.. فتى صغير بلا قميص يتجول في شوارع بيونيس آيريس، لكنه -بالنسبة للأرجنتينيين ولكل العالم- حقق كل شيء ولا يطلبون منه أي شيء، إنهم يحبونه كثيراً. منذ كأس العالم 1986، حمل دييجو أرماندو مارادونا منتخب بلاده على عاتقه، قاده إلى الفوز بمونديال المكسيك بمنتخب (نصف كسيح).. وإذا ما تذكرنا كيف سجل هذا (المارد القصير) هدفه المعجزة في مرمى العملاق الإنجليزي شيلتون، لعرفنا قدر موهبته.. لكن، أحياناً، يفقد اللاعبون القدرة على السيطرة على أنفسهم بسبب الضغط الرهيب الذي يتحملوه، وفي ذلك التوقيت عندما كان مارادونا الأفضل في التاريخ في رأي الكثيرين، فقد النجم الأرجنتيني القدرة على السيطرة.. لطالما واجه مارادونا قابلية للسمنة، وفي 2005 خضع لعملية تغيير مسار معدة في كولومبيا لأن وزنه وصل إلى 120 كيوجراماً، علما بأن طوله 1.66 سم. كما عانى من التهاب المفاصل في الركبتين خضع على إثره لجراحة في الركبة اليمنى. وعانى مارادونا من أمراض أخرى أيضاً؛ ففي 1982 أصيب بالتهاب الكبد الوبائي (أ)، وفي 2012 خضع لجراحة لإزالة حصوات من الكلى. وفي عام 2019 أصيب بنزيف داخلي في المعدة تم اكتشافه أثناء خضوعه لفحوص اعتيادية. ثم رد على تقارير صحفية أفادت بأنه يعاني من مرض ألزهايمر بغضب. نجم كأس العالم الذي لا يمكن مجاراته على الإطلاق، واجه فضيحة في أكبر بطولة رياضية، وكان يعدُّ أعظم لاعب في كرة القدم.. قصة حياة مارادونا كانت خليطاً مختلفاً من كل شيء، اعتراضات سياسية، فقر، ثراء، شهرة، مخدرات وإدمان وفضائح ومستشفيات.. وكل شيء. عاش طفولة مشوشة برغبة جامحة في الثأر من ظروفه القاسية ووطأة الفقر حتى حظي بدجاجة تبيض ذهباً، وغالب الظن أن هذه الدجاجة جعلت مارادونا مختلفاً في كل شيء. بدأ فلتة للكرة الارجنتينية، بل العالم أجمع، أبهر العالم في الثمانينات بموهبته وقوته البدنية وسرعته الفائقة وأسر قلوب عشاق الساحرة المستديرة بلمساته الساحرة.. لكن فجأة تقتاده الشرطة إلى التحقيق بعدما وجدوا كميات من الكوكايين معه.. ثم بدا وكأنه كرة ضخمة من اللحم والدهن تتدحرج بصعوبة بالغة. حياة الاستهتار والانتكاسات انضم مارادونا إلى نابولي في عام 1984، بعد عامين من اللعب لبرشلونة.. ما زال شاباً جديداً في أوروبا، لم يعتد الحياة الأوروبية مع الكثير من الخلافات في إسبانيا، لكن مغريات إيطاليا أكثر وأكبر وتخطت ما كان يجده في الأرجنتين. ناديه نابولي كان مرتبطاً في تلك الحقبة بالمافيا الإيطالية، وقالت التقارير إنها كانت مسؤولة في ذلك الوقت عن إمداده بالمخدرات. تم إيقافه من اللعب في الدوري الإيطالي عام 1991 لمدة 15 شهرا بعدما أظهرت الفحوصات إيجابية تعاطيه للمخدرات. رحب به نادي (نيويلز أولد بويز) في (روزاريو)، لكن في 1994 غاب عن التدريب فتم طرده من النادي، وكان ذلك في العام الذي أطلق فيه الرصاص على صحفي خارج منزله. وفي 1994، تلقى خوليو جرندونا رئيس الاتحاد الأرجنتيني نبأ فحوصات المنشطات والمخدرات وكانت العينة إيجابية لمارادونا، وبدأ كل شيء في الاندثار من حينها. أظهر مارادونا للعالم أجمع الوجه السيئ، عبقري كرة القدم الذي عانى من انتكاسات شخصية كثيرة بسبب حبه لحياة الاستهتار وتعاطي الكوكايين، وتحولت نظرات الإعجاب إلى أصابع اتهام. وخلال عام 1997، فشل مجددا في تخطي فحص للمنشطات والمخدرات لتبتعد عنه الشهرة والأضواء ويصاب بأزمة نفسية كبيرة وأفسدت مسيرته. وبحلول عام 2000، عانى من أزمة قلبية حادة؛ وذلك أثناء إجازة كان يقضيها في منتجع أوروغوياني، خرج رئيس الأرجنتين -حينذاك- وصديقه كارلوس منعم، قائلا: «إنها أزمة قلبية يعاني منها بسبب الضغط». لكن الشرطة الأوروغويانية قالت إنه تعاطى الكوكايين أكثر من اللازم. وكتب في سيرته الذاتية معترفاً بأنه مدمن على المخدرات، لكنه أوضح أنه كان ضحية لمؤامرة من مسؤولين كرويين وساسة. حينما اتجه مارادونا لمركز إعادة التأهيل كان عنوان صحيفة (إندبندنت) البريطانية: «يرقد بين الحياة والموت». كانت تلك مرة هي الأشهر لمارادونا نجح خلالها في النجاة من الموت، حتى جاء عام 2004 لتطرق بابه أزمة جديدة فقط بعد 4 أعوام من أزمة وفضيحة سابقة. في عام 2004، أثار مشهد مارادونا يرقد في سريره بالمستشفى، منتظراً الموت في أية لحظة، الشفقة لدى محبى كرة القدم في كل أرجاء الدنيا.. حالته الصحية تراجعت كثيراً، انهار كثيراً خاصة مع إدمانه الشديد للكحول، وعادته في تناول الطعام لم يعد يتحكم فيها وأصبح يتناوله طيلة الوقت. في تلك الفترة، خضع لأكثر من محاولة للعلاج؛ سواء صحياً أو نفسياً. من كان يهتم بأمره كان يخشى أن يختفي إلى الأبد، قبل أن يتم شفاؤه، لكنه وبعد أعوام قليلة حقق المستحيل. وكان على طاقمه الطبي -طوال الوقت- أن ينفي الأخبار التي تشاع حول تعاطيه لجرعة زائدة من الكوكايين، خاصة أن الأزمة قد ضربته فعليا حينما كان يشاهد مباراة لناديه المفضل والسابق بوكا جونيورز، واضطر للانسحاب بين الشوطين وخشى الأطباء أن قلبه لن يكون قادرا على المواصلة. بإمكاننا تخيل المشهد التالي خارج مركز التأهيل، الجماهير تصطف أمام مستشفى (بيونيس آيريس) والكل يرتدي القميص الأزرق والأصفر الخاص ببوكاجونيورز، وفي الخلف رقم 10، ولافتات كثيرة أظهروا من خلالها حبهم وخوفهم كتب عليها: «دييجو الأرجنتين تحبك». «اصمد يا دييجو». قام العديد من الأرجنتينيين بإغلاق أجهزة الراديو والتلفزيون لديهم خوفا من سماع خبر يخشونه كثيراً، لكن مارادونا قاتل ونجا من الموت بأعجوبة. وظهر في الوثائقي الخاص بمارادونا توضيحاً أن معظم المقربين من مارادونا كانوا قد تخلوا عنه تماماً لما أصبح عليه من بطل وطني إلى مجرد مهرج يتعاطى الكوكايين ويحرج نفسه ودوما. وقال أحدهم لإذاعة أرجنتينية: «اتركوه يموت، دعوه يقتل نفسه». رحل ماردونا إلى كوبا ليعالج نفسه من المخدرات وإدمانها، خلالها صبغ شعره الأسود إلى برتقالي وظل في صحبة فيديل كاسترو رئيس الدولة وصديقه. وخضع لعملية جراحية لإنقاص وزنه، في رحلة بدت غريبة للغاية لواحد من أفضل من لمسوا كرة القدم على الإطلاق. وفي عام 2005 استعاد مارادونا عرشه كملك لكرة القدم في كل مكان بقلوب عشاق اللعبة، حينما قام بعمل برنامج تلفزيوني وتحدث خلاله عن هدفه ضد إنجلترا في كأس العالم 1986، واعترف لأول مرة في التاريخ أنه ضرب الكرة بيده وأنه لم يندم قط على ذلك. وقال: «شيلتون قال لي إنني سجلت هدفا غير صحيح، وقلت له لا يهمني لم أندم قط على تسجيل ذلك الهدف». نزيف داخلي وألزهايمر 2019، أعلنت ابنته دالما، خروج والدها من المستشفى بعد إصابته بنزيف داخلي في المعدة تم اكتشافه أثناء خضوعه لفحوص اعتيادية. وأوضحت دالما عبر (تويتر): «إلى كل من يشعر بالقلق على حالة والدي يمكنني إبلاغكم بأنه بخير». ونقل مارادونا إلى مستشفى بالأرجنتين بعد أن اكتشف الأطباء المشكلة أثناء خضوعه لفحوص قبل عودته إلى المكسيك التي يتولى فيها تدريب فريق دورادوس دي سينالوا المنتمي لدوري الدرجة الثانية. وفي العام ذاته، قالت صحيفة (مترو) البريطانية، إن إسطورة الكرة الأرجنتينية دييغو مارادونا رد بغضب على التقارير الصحفية، التي أفادت بأنه يعاني من مرض ألزهايمر. ورد مارادونا في مقطع فيديو على صفحته في (إنستغرام)، بعد نشر صحيفة (كرونيكا) الأرجنتينية خبراً يفيد بأنه يعاني من (مشاكل عصبية)، وبداية ظهور أعراض مرض ألزهايمر، يؤكد فيه: «هذه الأخبار غير صحيحة، إنهم يكذبون، يتحدثون عن مرض ألزهايمر ولا يعرفون معنى ذلك».