في خضم التحولات غير المسبوقة التي يشهدها الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وما يجري من أحداث سياسية متقلّبة في العالم، يعيد النظامان التركي والإيراني تموضعهما في مناطق جديدة والعمل بتماهٍ عالٍ في منطقة جنوب وشرق آسيا؛ بهدف تعزيز الانقسامات بين تلك الدول، وإنشاء تحالفات جديدة لتكريس الدمار والفوضى والإرهاب فضلاً عن إخراج بعض الدول في تلك المنطقة من محيطها الإسلامي؛ لتعزيز الصورة الجديدة للفكر الإخواني والطائفي التي تشكَّلت بوضوح في أهداف أردوغان وتطلّعه لزعامة العالم الإسلامي، وشعوره بأن نفوذه لن يتمّ إلا بالسيطرة على العالم الإسلامي وهو بمثابة حلم إبليس في الجنة! لذلك عمل أردوغان على إحياء الإمبراطورية العثمانية وتمهيد الطريق إلى صعود تيار جماعة (الإخوان المسلمين) عبر نشر الإسلام السياسي.. بالمقابل وضع النظام الإيراني كل إمكاناته وأذرعته الطائفية المتغلغلة في تلك المناطق رهن إشارة النظام الإخواني - التركي ليشكلا طوقاً على دول إسلامية مهمة؛ فضلاً على رهان النظامين على الدعم المادي من النظام القطري الذي ينفق بسخاء على المشروع التدميري الطائفي والإخواني في جنوب وشرق آسيا.. ووجد أردوغان ضالته في التحالف مع إيران التي تلتقي معه في الأهداف التوسعية ذاتها بتقاسم الدول العربية والإسلامية، وتحقيق مزاعم الحلم الأكبر بقيام الدولة الإسلامية المزعومة بقيادة زعيم التنظيم العالمي للإخوان أردوغان، والدولة الإسلامية الطائفية بقيادة راعي الإرهاب الأول في العالم خامنئي بالاستعانة بالحليف الثالث، وهو نظام الحمدين. ويلعب الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات التركية دوراً جوهرياً في عملية الالتفاف على هذه الدول بغرض تدمير الأنظمة الشرعية والمستقرة، ودعم قوى الإسلام السياسي والطائفي الصاعدة فيها، لتحقيق الحلم بقيام نظام على الطريقة الإخوانية التركية وآخر على طريقة (ولاية الفقيه) المزعومة. من هنا يتضح أن التحالف (التركي الإيراني القطري) يسعى إلى تحقيق هدف إستراتيجي واحد، عبر توظيف التقارب مع جماعة الإخوان المسلمين لتهديد استقرار دول جنوب وشرق آسيا و دعم التنظيمات المتطرفة الإخوانية والطائفية، وحشد الطاقات لمواجهة التحديات التي تواجهه خلال الفترة المقبلة رداً على العقوبات المفروضة على إيران. وكان عام 2019 هو عام ولادة تحالف (تركي - إيراني - قطري) من خلال قمة ماليزيا الإسلامية الفاشلة بدعم من نظام مهاتير البائد، الذي شكل نقطة التحول الرئيسية في العلاقة بين تركياوإيران وقطر. لقد وفر التقارب والتوافق بين الجماعة الإخوانية والملالي في إيران ما بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، الأرضية الخصبة لبناء التحالف الإيراني - التركي، فذهبت تركيا بعد سقوط الجماعة الإخوانية ما بعد مرحلة الربيع العربي التي جعلت أنقره تفقد أهم ذراع تعتمد عليه لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة، والتي وصفها ياسين أقطاي (مستشار أردوغان) بأنها تمثل ذراعاً للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي والإسلامي للتعويض عن سقوط الإخوان بإحياء التحالف مع إيران واستكمال ما بدأته الجماعة الإخوانية وتوظيف ذلك لتنفيذ مشروعها التوسعي مستفيدة من الفوضى في المنطقة، كما أسهم التطابق في أطماع البلدين التوسعية في المنطقة إلى تدعيم ركائز هذا التحالف، ففي إيران سعى نظام الملالي إلى إحياء الأطماع الفارسية في المنطقة العربية والإسلامية عبر ما يسمى بتصدير الثورة، وفي تركيا شكلت مرحلة الالتفات إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ما بعد وصول حزب الحرية والعدالة والعقلية الأردوغانية التي تجنح دائماً إلى استحضار إرث الدولة العثمانية، ولذلك أصبحت كل من تركياوإيران تنظر للأخرى بأنها مكملة لمشروعها التوسعي، وهو ما يفسر بالتالي قدرة البلدين على الحفاظ على التواصل وعدم السماح باختلافات وجهات النظر في ملفات المنطقة أن تؤثر على تطور علاقة البلدين. وأضحت العلاقة بين تركياوإيران إستراتيجية، فتركيا تؤمن أن من مصلحتها بقاء النظام الإيراني واستمرارية مشاريعه الفوضوية في المنطقة، فهي تخلق الأرضية الخصبة للتوجه التوسعي للأتراك في المنطقة، في الوقت الذي سعى أردوغان لاستكمال ما بدأه الإخوان تجاه إيران، من دعمها ومساندتها، وهو بالتالي ما يفسر الدعم التركي للإيرانيين للتخفيف من الأزمة الاقتصادية والتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية على إيران. هناك تحالف يخترق جنوب وشرق آسيا تقوده تركياوإيران، وما الاجتماع السادس للمجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، الذي عقد أخيراً عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، إلا لإعادة تموضع أنقرةوطهران وتكريس التحالف للتآمر على دول العالم الإسلامي وتقسيم الأدوار لفرز تلك الدول بين المشروع الآيديولوجي للإسلام السياسي بشقيه الطائفي بقيادة إيران، والإخواني بقيادة تركيا، لتوسعة قوس دول الإسلام السياسي من خلال التسويق لقضية كشمير لاحتواء الحكومة الباكستانية وانتقاد الحكومة الهندية وتعزيز الفكر الإخواني والطائفي في شرق آسيا.. وسعت تركيا من خلال القوة الإخوانية الناعمة إلى ترجمة المسلسل التلفزيوني التركي التاريخي الخيالي «أرطغرل»، للتغلغل في الأوساط الشعبية في الباكستان، إذ حقق شعبية كبرى، بالمقابل تعزز طهران وجود المراكز الثقافية في شرق آسيا لنشر الفكر الطائفي. تركياوإيران، وهما دولتان تتاجران بقضايا الأمة، شكلتا التحالف الطائفي والإخواني؛ لاختراق جنوب وشرق آسيا.. إنه غزو تركي إيراني؛ لاذكاء الفكر العثماني والاثني عشرية. قوة ناعمة.. في باطنها خشنة خُطى متتابعة تتخذها أنقرةوطهران نحو ترسيخ وجودهما متعدّد الأشكال والأدوات في القارة الآسيوية؛ انطلاقاً من حسابات جيواستراتيجية - إخوانية طائفية يتداخل فيها البُعد الاقتصادي بالبعد الأمني والعسكري ويتصدره الإسلام السياسي والفكر الطائفي، في ظل طموح تركيّ إيراني لأن تغدو هاتان الدولتان الإرهابيتان مؤثرتين في دوائر متعدّدة في جنوب وشرق آسيا. واستطاعت إيران عبر خطط وطرق عدة ممارسة نفوذ واسع في تلك الدول، من خلال التنسيق السياسي والدعم اللوجيستي والتمويل المالي للمليشيات؛ فضلاً عن إذكاء الروح الطائفية والمذهبية في تلك الجانب زيادة الطموحات الإقليمية الإيرانية وتصاعد دورها كمنافس إقليمي طائفي. أما تركيا، انتهزت الاهتزازات التي حدثت في بعض الدول الآسيوية فتلغلغت ووجدت الفرصة سانحة للنفاذ وتحقيق أطماعها، من خلال تحالفها المريب مع النظام الابواني، سعياً في المقام الأول إلى تأمين مصالحها الخاصة من خلال التدخل في شؤون البلاد الداخلية. ولم تجد تركياوإيران غضاضة من دعم التنظيمات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي؛ لبسط نفوذها، ومحاولة تدمير الدول، إذ أصبحتا مثالاً للأنظمة المارقة وملاذاً لقوى الشر والجماعات الإرهابية الإقليمية وتبييض الأموال.