«كرة القدم مثل الحرب ومن يتصرف بلباقة أكثر يخسر». هذه المقولة للمدرب الهولندي ((ريناس ميشيلز)) مبتكر تكتيك الكرة الشاملة، التي تقوم بتبديل المراكز بين اللاعبين وكذلك الاعتماد على بعضهم في القيام بأدوار ليست من خصائص مركزه، أو تخصص لهم بعض التكتيكات الإضافية التي تتيح للفريق أكثر من ميزة بمواجهة الخصم. - وهذا ما فعله المدرب الإيطالي ماسيموليانو أليغري في مباراة أتلتيكو مدريد في دوري الأبطال في موسم 2018-2019 عندما أظهرت التشكيلة الأساسية قبل المباراة بلعبه 4-3-3 بتواجد كانسيلو سبيناتزولا بمراكز الأظهرة وإيمري كان في مركز المحور بتواجد الثلاثي الهجومي بيرنانديسكي وماندزوكيتش ورونالدو. - لم تكن هذه التشكيلة إلا خدعة قام بها الإيطالي أليغري الذي اعتمد على تشكيل 3-4-3 بانضمام الظهيرين كلاعبيّ أجنحة وعودة لاعب الارتكاز إيمري كان كمدافع ثالث بجوار بونوتشي وكيليني، ويتحول هذا التكتيك إلى 3-2-5 بلعب الظهيرين كأجنحة على أطراف منطقة الجزاء التي يتواجد فيها رونالدو ماندزوكيتش الذين يجيدون الألعاب الهوائية، ومن خلفهم بيرنانديسكي الذي يتميز بالتسديد. - انتهت المباراة بنتيجة 3-0 لليوفي، وجميع الأهداف كانت من كرات عرضية قام بها لاعبو اليوفي التي أظهرت التشكيلة لعبهم بمركز الظهير، واتضح بأنهم لعبوا كأجنحة بعد التحول التكتيكي المرن. - المثال الآخر هو لذات المدرب إليغري الذي يخلق تكتيكات على لاعبين غير متوقع تنفيذهم لهذه المهام. لنا في مباراة ريال مدريد و يوفينتوس في دوري الأبطال بموسم 2017-2018 مثالًا، عندما قام بوضع لاعب المحور الفرنسي ماتويدي كمهاجم وهمي من أجل الكثافة العددية في الحالة الهجومية مع دوره في مركز المحور في الحالة الدفاعية. - تعليمات أليغري للاعب ماتويدي أثمرت بتأثيره بالثلاثة أهداف التي سجلها يوفينتوس، ففي الهدف الأول والثاني تداخل اللاعب ماتويدي في إبعاد وتشتيت مدافع ريال مدريد فاران عن مراقبة زميله ماندزوكيتش الذي سجل هدفين بطريقة كربونية من كرة عرضية بعد تحركه تجاه منطقة الجزاء، أما الهدف الثالث فقد تكفل به ماتويدي بتسجيله. - مجرد نظرة للأهداف نرى أن ماتويدي كان بمنطقة الستة ياردة في الثلاث أهداف. هذه العودة العظيمة التي قام بها أليغري بوضع مركز وهمي لماتويدي ساهم في قلب الموازين في المباراة وخداع زيدان باعتماده على لاعب لم يكن متوقعا لعبه كمهاجم وهمي. - اللاعب رقم 9 اعتدنا بأن موقعه في منطقة الجزاء، لكن العديد من المدربين استخدموا هذا المركز ليكون مركزا لتفكيك التحصينات الدفاعية، فكرة هذا المركز بأن يجذب أحد قلبيّ الدفاع مع كل حركة يقوم بها المهاجم الوهمي اللاعب رقم 9، مما يسبب ارتباكا وفوضى في التحصينات الدفاعية. - لنا بلعب سيسك فابريجاس بمركز الهجوم في بطولة أمم أوروبا مثالًا، فقد طبق مدرب إسبانيا ديل بوسكي تكتيك ونهج مدرب برشلونة آنذاك بيب جوارديولا باعتماده على تشكيلة 4-3-3، وكان ثلاثي الهجوم مكوّنا من لاعبي الوسط فابريجاس وديفيد سيلفا وانييستا، انتهت البطولة بفوز إسبانيا بها بعد مستوى خارق توّج برباعية نظيفة في نهائي البطولة ضد إيطاليا. - اعتدنا بأنه إدارة مركز الظهير تقتصر على الأطراف بالجوانب الدفاعيه والهجومية، لكن لدى الإسباني بيب جوارديولا فلسفة الابتكار بأدوار يقوم بها لاعب في هذا المركز. ففي فترة تدريب جوارديولا لبايرن ميونخ الألماني هي بداية لهذا الابتكار التكتيكي الذي أسموه النقاد «الظهير الوهمي»، من مواصفات لاعب هذا المركز بأن يجيد التمرير القصير والطويل والتحرك بدون كرة لخلق مساحة للتمرير، وكانت هذه المواصفات متواجدة في أظهرة بايرن ميونخ آنذاك فيليب لام وديفيد ألآبا، بحيث يتحرك مركز الظهير لمنتصف الميدان لزيادة الكثافة العددية بوسط الملعب لمداورة الكرة وتطبيق تكتيك التمريرات القصيرة الذي يعرف ب«التيكي تاكا» بفضل هذه الابتكارية الفلسفية حقق بيب النجاح مع بايرن ميونخ الألماني. - عند النظر إلى المدربين الناجحين نرى بأنه جميعهم لديهم فلسفة فنية خاصة يؤمنون بها، مستمدّة من المدارس التي تخرجوا منها. فلسفة الفرنسي ديديه ديشامب كانت قائمة على التحصينات واللعب بإغلاق المنطقة الدفاعية على الطريقة الإيطالية التي تعرف بتكتيك «الكتانشيو» التي لعبها تحت قيادة أكبر مدربيها في فترة لعبه في فريق يوفينتوس الإيطالي، حقق بفضلها بطولة كأس العالم 2018، وكذلك تأثر بيب غوارديولا بفلسفة الفكر الهولندي لكرة القدم التي تعرف ب«الكرة الشاملة» وتؤمن باللامركزية في تشكيل الفريق.