فقدت الكويت، ومجلس التعاون الخليجي، والمنطقة ككل، قائدا خليجيا دبلوماسيا من الطراز الأول وهو الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله، وهو أحد أركان بناء الكويت الدولة، وركن من أركان بناء مجلس التعاون الخليجي، ورجل الدبلوماسية الهادئة. حكم الشيخ صباح الأحمد الصباح الكويت بنهج دبلوماسي، توافقي، وهو صباح الدبلوماسية الكويتية، والخليجية، حيث شهد في حياته منعطفات، وأزمات، وحروبا، أحدها كاد أن يعصف بوطنه الكويت، وذلك بعد احتلال العراق للكويت في أوائل التسعينات. ورغم كل الحروب، والأزمات، التي شهدتها المنطقة، ومنها احتلال العراق للكويت، ظل الشيخ صباح رجل سياسة، ودبلوماسية، لم تزده الأزمات إلا قناعة بضرورة العمل الدبلوماسي، والتهدئة بدلا من التصعيد، وغلب ذلك على طبعه، وهو الرجل الذي حمل ملف الدبلوماسية الكويتية لعقود. سعى الشيخ صباح رحمه الله، مثلا، للوساطة في الأزمة الخليجية -العربية مع قطر، وقابل الجميع في الخليج، باستثناء التلاعب القطري، سعيه بالاحترام، والتقدير، وذلك لما يحظى به الراحل من احترام وتقدير. وكان الشيخ صباح، رحمه الله، يعرف السلوك القطري جيدا، وليس اليوم، بل منذ سنين طويلة، ورغم ذلك سعى رحمه الله للعب دور الوسيط، وهذا طبعه المسالم، المؤمن بأهمية مجلس التعاون، وهو الأمر الذي لا تستوعبه الدوحة جيدا. وسيذكر التاريخ للشيخ صباح سعيه الدائم، وفي كل المنطقة، لفرض العقلانية السياسية، لأنه يؤمن بأن العمل الدبلوماسي هو الأساس، وأن الدبلوماسية هي أجنحة، ومحرك السياسة، التي هي فن الممكن، وبالتالي سعى الشيخ صباح لفرض الحلول السياسية في كل المنطقة. فعل رحمه الله ذلك مدركا واقع المنطقة الخطر، وواقع الكويت الجغرافي الصعب، وخصوصا الآن، مع ما يحدث في العراق من انفلات للمليشيات، والجنون الإرهابي للنظام الإيراني العدائي بحق كل المنطقة. ولذلك حكم الشيخ صباح الكويت، ومنذ عام 2006، بالنأي عن التجاذبات السياسية بالمنطقة، ولعبة المحاور، وحاول أن يسدد ويقارب، معتبرا من تاريخ الأزمات التي عرفها، وتعامل معها، طوال حياته السياسية، والدبلوماسية. حيث كان صديقا، وحليفا، صادقا، مع السعودية، وحريصا على مجلس التعاون، وكان حريصا على مصر، وأمنها واستقرارها، مدركا أهمية مصر العربية، والعمق الحيوي الذي اختبر أيام احتلال الكويت، وأثبتت القاهرة وقتها أنها حليف صادق للكويت، والخليج العربي فترة الراحل الرئيس حسني مبارك. رحل الشيخ صباح السياسي البارز، والدبلوماسي الدائم، دون كلل، أو ملل. عاش بسلام، وسعى للسلم، والاستقرار، ورحل بسلام. رحم الله أمير الكويت الراحل، صباح الدبلوماسية، والعقلانية، وحفظ الله الكويت وأهلها. [email protected]