لم يعد أمام الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي سوى وضع حدٍّ حاسمٍ للسياسات الحمقاء التي ينتهجها «رجل تركيا المريض» الرئيس رجب أردوغان، بعد أن باتت تصرفاته تنمُّ عن انفصامٍ في الشخصية، ما يُشكِّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. فهو كلّ يوم في مغامرة جديدة، بل في مقامرة جديدة، يمارس بها سياسة حافة الهاوية، التي لا يعرف أنها ستعجّل بنهايته، قبل أن يسمح له العالم بتحقيق حلم «الهيمنة» الذي قام بتفصيله على مقاساته الأيديولوجية، وبعقلية بائع «السمك في الماء». أردوغان يتظاهر بأنه ينشر هيمنته على أقاليم الإمبراطورية العثمانية المُبادة، ويحلم كلَّ يومٍ «حلمَ يقظة» يرى فيه نفسه واقفاً بجيشه على أعتاب فيينا، رغم إدراكه أن أوروبا لن تفتح له أحضانها مهما تظاهر بالإذعان، والقبول بشروط بروكسل. وقد كان الرئيس الفرنسي ماكرون صريحاً جداً حين قال، في آخر لقاء جمعه برجل تركيا المريض الحالم بأن يكون السلطان العثماني الجديد: «إن أي شخص يزعم أن هناك فرصة لإحراز تقدم في المحادثات الدائرة منذ عقود، بشأن انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي فهو منافق نفاقاً يجب أن يكفَّ عنه». وها هو يجدد ابتزازه لأوروبا بالدخول في مواجهة مع عضوي الاتحاد الأوروبي وعضوي منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) اليونان وقبرص، مدعياً ملكية تركيا لمياه شرق البحر الأبيض المتوسط. يفعل ذلك وهو في أسوأ أوضاعه الداخلية. والواقع أن وضع أردوغان الداخلي بدأ ينحدر منذ العام 2014؛ فقد أخذ اقتصاد تركيا ينهار، وارتفع التضخم إلى 20%، وقفزت نسبة البطالة إلى 15%، وانهار سعر الليرة التركية إلى مستويات متدنية. لم يخذله الاقتصاد فحسب، فشعبيته تتآكل يوماً بعد يوم. صحيح أن حزب العدالة والتنمية الحاكم -الذي يتولى رئاسة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين- فاز في الانتخابات البلدية التي أجريت في 31 مارس الماضي، لكنه خسر أكبر ثلاث بلديات في تركيا؛ وهي أنقرة، وإزمير، وإسطنبول، معقل التأييد الذي دفع أردوغان ليصبح رئيساً. وأظهرت مسرحية «الانقلاب» التي تعرض لها في عام 2016 أن أردوغان نجح في كسب عداوة جميع فئات الشعب التركي؛ لأنهم- ببساطة- غدوا ضحايا بطشه، وظلمه، وقسوته، وسُعاره، فمنهم صبي في ال 16 من عمره اعتقل بتهمة إهانة الرئيس، ومنهم ملكة جمال تركيا السابقة التي ضايقها النظام لمجرد قيامها بمشاركة قصيدة تنتقد «الديكتاتور». الأكيد أن أردوغان يتخبط في الداخل التركي، من فشل إلى آخر، وأطلق العنان لمغامراته الخارجية، فغزا شمال سورية، واستباح طيرانه ومدفعيته أراضي شمال العراق، وتدخل بشكل كارثي في ليبيا، ويستخدم النظام القطري (الحمدين المنبوذ)؛ ليشاركه تحقيق حلمه بالتوسع والهيمنة والإطلالة على الخليج، والبلاد العربية، حتى تخوم الصومال وسواحل السودان. وهو يمارس «عنتريات» رعناء في مياه شرق المتوسط.. فسياسات أردوغان الحمقاء وأحلامه المُبادة ترتد عليه.. والنتائج باتت واضحة. [email protected] jameelAlTheyabi@