يوما بعد آخر، يثبت الفن والموسيقي أنهما رسالة سامية توحد الشعوب، ولا يعترفان بعرقية أو مذهبية، ويؤكد الفن الحقيقي أنه قادر على معالجة الترسبات السياسية، إذ تجلى ذلك بوضوح أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أمس (الاثنين)، للفنانة اللبنانية فيروز. وحرص ماكرون على أن يفتتح زيارته الرسمية الثانية إلى لبنان في أقل من شهر، بلقاء جارة القمر أولا، فانتقل من المطار إلى منزلها في بلدة الرابية قرب بيروت، والتقى بها لأكثر من ساعة وربع الساعة، وقلدها وسام جوقة الشرف الفرنسي، واصفا لقاءه ب«جارة القمر» ب«الاستثنائي»، معتبرا إياها «تمثل لبنان الحلم ورمز وحدته». وكعادة فيروز التي تتوارى بعيدا عن الأضواء، فضلت ألا يقترب الإعلام من لقائها بماكرون، رغم تهافت الإعلاميين عليها. وجسدت فيروز التي ناهز عمرها (86 عاما) حالة خاصة من الفن، أسرت بصوتها الملائكي، الإنسانية بمختلف لغاتها، وبات العجم يستمتعون بأغنياتها، قبل العرب، ومنهم ماكرون نفسه الذي أكد أن أغنية «لبيروت» التي شدت بها جارة القمر، هي أغنيته المفضلة. وتعد فيروز من الأوائل الذين دعوا للتسامح بين الأديان، فغنت لمكةالمكرمة في منتصف الستينات من القرن الماضي، فشدت من كلمات الراحل سعيد عقل وألحان الرحابنة: غنيت مكة أهلها الصيدا والعيد يملأ أضلعي عيدا فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى زيدا يا قارئ القرآن صل لهم أهلي هناك وطيب البيدا. وغنت للقدس «زهرة المدائن» نحو ست أغنيات. فيروز التي لا يفتتح كثير من المثقفين صباحاتهم إلا بصوتها، أكدت أن الفن الحقيقي رسالة سامية يلجأ إليها الإنسان حين تضيق به الدنيا، وأثبتت أن الموسيقى قادرة على تسوية تجاوزات السياسيين ونزقهم، وهو ما دعا الرئيس الفرنسي إلى التوجه إليها أولا قبل أن يلتقي السياسيين.