سلّطت سيركو الشرق الأوسط، الشركة العالمية للخدمات العامة، الضوء على أهمية سعي الحكومات إلى تقديم الخدمات العامة عبر الشركات الخاصة في مرحلة ما بعد كوفيد-19، مع التركيز على ارتباط النجاح في هذا الإطار بالتزام الحكومات باختيار الشريك المناسب والموثوق الذي يتمتع بالسجل المالي والتقني والتشغيلي المناسب. تحاورنا مع فيل ميلام, المدير التنفيذي لشركة سيركو الشرق الأوسط حول هذا الموضوع: نود بدايةً التطرق إلى النقطة الرئيسية في نقاشنا، والتي تتمحور حول السبب وراء اعتماد سياسة التعاقد الخارجي للخدمات الخاصة في الوقت الحالي. وكيف يختلف هذا الآن عمّا كانت عليه طبيعة هذا التوجه قبل جائحة كوفيد-19؟ حتى قبل تفشي الجائحة، سلطت البيانات الضوء على أوجه الكفاءة الكبيرة الناتجة عن اعتماد سياسة التعاقد الخارجي لتقديم الخدمات الحكومية، فبالحديث عن المملكة المتحدة على سبيل المثال، حيث تستأثر أنشطة التعاقد الخارجي بحوالي 36% من إجمالي الإنفاق في القطاع العام، فقد تمكّنوا من تحقيق وفورات لا تقل عن 11% في التكاليف. ومع ذلك، وفي ضوء تأقلم الحكومات مع الوقائع الاقتصادية الجديدة الناجمة عن الجائحة، بات اعتماد التعاقد الخارجي لتقديم الخدمات الحكومية مسألة أكثر أهمية وحيوية من أي وقت مضى؛ إذ يُؤدي التعاقد الخارجي إلى تحقيق الكفاءة من حيث التكلفة، فضلاً عن تحسين الخدمات المقدمة للجمهور وتعزيز مرونتها. وبناءً عليه، أصبح المضي قُدماً في اعتماد مشاريع التعاقد الخارجي أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لمختلف الدول، لا سيما في ظل هذه الفترة التي تحتاج فيها الحكومات إلى الحد من الإنفاق ويزداد فيها احتياج المواطنين للحصول على الدعم من حكوماتهم. كيف سيؤدي اعتماد سياسة التعاقد الخارجي في تقديم الخدمات الحكومية إلى تغيير طريقة عمل الحكومات؟ أصبحت المملكة العربية السعودية، التي أشارت إلى توجهها نحو تعزيز الكفاءة والاستعانة بالتكنولوجيا لتحقيق هذا الغرض في إطار رؤيتها الوطنية، بالفعل جهة رائدة في جهود التحول الرقمي للخدمات الحكومية، ونؤكد لكم أنّنا سنشهد تسارعاً في خطى المملكة في هذا الاتجاه. غير أنّنا نتوقع أن تتمحور المرحلة التالية بشكل أكبر حول تجربة العميل/المواطن، بدلاً من التركيز على السباق نحو إضفاء الطابع الرقمي على كافة الجوانب، الأمر الذي قد يؤدي أحياناً إلى تدهور مستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطنون وانخفاض مستويات الرضا من خلال الزيادة في تعقيد المنصات الخدمية وعدم ترابط الخدمات والتسرّع في إقرار المشاريع الرقمية. سيُصبح المواطنون في عالم ما بعد الجائحة أكثر تطلباً فيما يتعلق بجودة الخدمات وتعدد قنوات الحصول عليها وسرعة الوصول إليها؛ وبالتالي، سيكون أولئك القادرين على وضع المواطن في صُلب عملية اتخاذ القرار وتصميم الخدمات لديهم الشريك الأفضل بالنسبة للحكومات. ويُعتبر هذا واحداً من الأسباب التي دفعت سيركو إلى القيام بهذا الاستثمار الكبير في منصة إكسبرينس لاب، التي تُركز حصراً على تجربة العملاء وتعزيز مستويات رضاهم عبر كافة معاملاتهم، سواءً عبر التطبيقات أو المواقع الإلكترونية أو عبر الهاتف أو وجهاً لوجه. وفي نهاية المطاف، ستقوم أكثر الجهات الحكومية تقدّماً بتطوير برامج تحوُّل متمحورة حول العميل، كما ستقوم بتصميم عملياتها بالاعتماد على الأتمتة الرقمية والتحليل المستمر للبيانات لمواصلة الارتقاء بخدماتها. كيف لهذا أن يدعم رؤية السعودية 2030؟ تطمح المملكة في إطار رؤية السعودية 2030 إلى مضاعفة عدد سكانها وقدراتها الاقتصادية على مدى السنوات العشر القادمة. وتُعتبر القدرة على تشغيل الخدمات الحكومية وإدارة هذا العدد الكبير من الشركات والأشخاص بأسلوب فعّال ومرن يتمحور حول العميل أمراً في غاية الأهمية، لا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على سعادة المواطن والحد من التكاليف الباهظة وتحفيز مسيرة التعافي والنمو في فترة ما بعد الجائحة. وأمّا فيما يتعلق برؤية السعودية 2030، تأتي عناصر الفعالية والكفاءة من حيث التكاليف في صميم مسار العمل الذي نحرص على إدارته بفعالية كبيرة. وبينما تعمل على تحقيق أهدافها وتُواصل تقليصها للإنفاق، ستحتاج المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن إلى إجراء دراسة جادة لمزايا التعاقد الخارجي مع أضخم مؤسسات القطاع الخاص لتنفيذ قطاعات كاملة من العمليات الحكومية.وسيؤدي ذلك بدوره إلى تعزيز الأهداف المنصوص عليها في ركيزتي «الاقتصاد المزدهر» (مثل فتح أبواب المملكة أمام الأنشطة التجارية) و«المجتمع الحيوي» (مثل البنيان المتين)، بينما تُمكّن هذه الخدمات كُلّاً من الشركات والمواطنين من الازدهار والنمو وتحقيق طموحاتهم الشخصية والمهنية على حد سواء. ما مدى استدامة سياسة التعاقد الخارجي بالنسبة للحكومات، لا سيما بعد الصدمة التي تلقّاها الاقتصاد بسبب تداعيات الجائحة؟ أثبت التعاقد الخارجي لتقديم الخدمات بلا شك بأنّه أفضل وسيلة لتعزيز مرونة الحكومات. كما ظهرت سلبيات نموذج التعاقد الداخلي لتقديم الخدمات بشكل أكبر جراء التحديات الأخيرة التي فرضتها جائحة كوفيد-19 على العالم بأسره. وأُجبرت الاقتصادات، التي أعاقتها القيود المفروضة للحد من انتشار الفيروس، على الحد من مستويات الإنفاق من خلال خفض الأجور وتسريح الموظفين. ولا أعتقد بأنّ الوضع سيتحسن في المستقبل القريب بالنسبة لكلا القطاعين الخاص والعام. غير أنّ مؤسسات القطاع العام التي اعتمدت سياسة التعاقد الخارجي بالفعل على نحو استراتيجي، نجحت في تفادي الآثار الأضخم للأزمة. وبالمضي قُدماً، وفي ضوء المخاوف من تفشي موجات أكبر أو سلالات جديدة من المرض أو لمجرد التعلّم من تجربة الجائحة ككل، أدركت الحكومات بأنّ التعاقد الخارجي يمنحها ما تنشده من الحماية والمرونة. وكما قُلت سابقاً، تُعتبر الكفاءة من حيث التكاليف الاستجابة الأكثر استدامة لجائحة كوفيد-19، لكن دون المساومة على جودة تجربة العميل. ومن هذا المنطلق، وبرغم الاعتماد العالمي الواسع النطاق لها من قبل القطاع العام، ما زالت هُناك بعض المفاهيم الإقليمية التي تنظر إلى نماذج التعاقد الخارجي كحلول أكبر تكلفة في نهاية المطاف مقارنةً بالاستمرار في تقديم الخدمات الحكومية عبر التعاقد الداخلي. إذ أن هذه المفاهيم تأتي من الاعتقاد بأن إشراف الجهات الحكومية على تقديم الخدمات بنفسها يُفسح المجال للتحكم بحجم الفريق والرواتب وجميع النفقات العامة؛ في حين يتوجب على الشركات المستقلة تقديم تلك الخدمات مع مراعاة تحقيق الربحية لنفسها؛ وهنا يبرز السؤال: كيف إذن لهذا النموذج أن يكون السبيل الأقل تكلفة لتقديم الخدمات العامة الأساسية؟ وكان تقرير صادر عن اتحاد الصناعات البريطانية قد أشار إلى أنّ وفورات التكاليف التي تحققها التنافسية بين مزودي الخدمات في السوق المفتوحة تتراوح عند 11%، وهي تقديرات متحفظة، لا سيما وأنّ هذه النسبة تصل إلى 30% في بعض الخدمات المقدَّمة في قطاع الرعاية الصحية. هلّا أطلعتنا على التحديات التي تواجهونها، إن وُجدت؟ وكيف تتعاملون معها؟ ستظهر أمامنا الصعوبات بالتأكيد، كما هي الحال دوماً، ومن الأهمية بمكان أن تختار الحكومات الشريك المناسب الذي يتمتع بالسجل المالي والفني والتشغيلي الصحيح. تقدم سيركو خدماتها في جميع أنحاء العالم، وبالتالي بإمكاننا الاستفادة من الدروس المستقاة من التحديات التي واجهناها في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وآسيا لكي نجلب أفضل الممارسات العالمية الرائدة إلى المملكة العربية السعودية. ويُعتبر بناء الثقة والتعاون مع الفرق العاملة في الدوائر الحكومية عاملان مهمان للغاية في وجهة نظرنا، الأمر الذي يدحض المفاهيم القائلة بأنّ التعاقد الخارجي يستحوذ على الوظائف الحكومية. وبالمثل، نسعى جاهدين إلى الاستعانة بمواهبنا الوطنية الرائعة واستبقائها برغم التحديات والتقلبات الكبيرة التي نمر بها. وفي نهاية المطاف، فإنّ التركيز الدائم على تجربة المواطن/العميل في المقام الأول يفرض تحدياً بديهياً، سواءً مضى على بدء تقديمنا للخدمات شهر واحد أم عام أو عشرة أعوام. ولا بد أن نقبل بهذا التحدي إنْ أردنا النجاح في تقديم خدمات متميّزة فعلاً في قطاع التعاقد الخارجي. الآن، وبعد أن تعرفنا على المزايا التي يوفرها التعاقد الخارجي للحكومات، هلّا أطلعتنا على سبل تأثيره على القطاع الخاص، لا سيما في المملكة؟ كانت القيادات التقدمية في دول المنطقة قد شرعت قبل بدء أزمة جائحة كوفيد-19 في حوارٍ جاد حول إمكانية إسناد تنفيذ العمليات الحكومية الكبيرة إلى شركات خاصة مستقلة. قد تلجأ حكومات المنطقة، لاسيما في المملكة العربية السعودية، إلى تعزيز المنافسة بين شركات القطاع الخاص رفيعة المستوى، وتشجيعها على تصميم حلول مبتكرة والموافقة على عقود لتحويل وتقديم الخدمات، مثل تلك المتعلقة بالضرائب ومعاشات التقاعد والقضاء والرعاية الصحية. وقد يرسم ذلك من الناحية النظرية ملامح واعدة لشركات القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة. ولكن سيتوجب على الشركات الخاصة الراغبة بالمنافسة التقيّد بمعايير عالية من الجودة والكفاءة، مع مراعاة أن تُحقق عقود تعهيد الخدمات كل الأهداف المرجوة، بما يشمل الارتقاء بتجربة المواطنين، والتكاليف المخفّضة بشكل كبير، وشفافية البيانات والتحليلات المتقدمة، والتكنولوجيا عالمية المستوى التي تشمل تقنيات الأمن، إلى جانب الحفاظ على الطابع الوطني للمؤسسات. وفي ضوء ما سبق، ومع تركيزها الكبير على رؤية السعودية 2030 واستقاء الخبرة من تجارب الحكومات الأخرى في العالم، بات أمام المملكة العربية السعودية فرصة ملموسة لتحويل اعتماد القطاع العام لسياسة التعاقد الخارجي، وجعل تجربتها واحدة من أكبر قصص النجاح في عالم ما بعد الجائحة، للحكومات والشركات والمواطنين على حد سواء.