في أدبياتنا التاريخية، ارتبط الكذب عندنا بعوامل منها الديني ومنها الاجتماعي ومنها السياسي، وهو أمر محرم عموماً، أو مكروه شرعاً، إلا أن المجتمعات العربية لم تتعامل مع هذه الممارسة المشينة برفض تام دائماً، بل وجد أصواتاً كيفت ممارسة الكذب وهذبتها. ويقال إن أول الممارسات الجمعية للكذب في تاريخنا الإسلامي قد انتعشت بعد فترة المحنة وقتل عثمان رضي الله عنه، وازداد أمر هذه الظاهرة سوءاً مع ظهور الخوارج كجدود مبكرين للإسلام السياسي، كان الخوارج في تاريخنا مشهورين بالعبادة والتزمت في الدين إلا أنهم لم يتورعوا عن ممارسة الكذب؛ والسبب هو أنهم ثاروا على الصحابة وأعلنوا العداء لهم، وهذه الممارسة جعلتهم يشككون ويطعنون في عدالة الصحابة؛ وبالتالي رفض كل ما يأتي عنهم من أحاديث أو آثار؛ لهذا نجد أن أقل الفرق الإسلامية رواية للسنة وللآثار والتدوين فيه هي فرقة الخوارج، ولا أعرف أنه وصل لنا من تراثهم الروائي شيء ما عدا كتاب مسند الربيع أو الجامع الصحيح، كما أطلق عليه في الفترات اللاحقة. ومع انحسار حراك الخوارج كقوة ضاربة مزعزعة للأمن وانتشار علم الحديث والرواية، نضج الموقف من الكذب أكثر في علم الرواية، وتحددت فئات تورطت في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجازت فرقة الكرامية الكذب في الحديث النبوي وقالوا إنما نحن نكذب للرسول صلى الله عليه وسلم ولا نكذب عليه، وبهذا المبدأ انتشر الكذب بين المتصوفة والزهاد إلى أن وصل لنا عبر الإسلام السياسي وبمقولة نحن نكذب للإسلام ولا نكذب عليه! وتتبعنا مقولات الإخوان المسلمين الكاذبة كأبرز تيار يمثل الإسلام السياسي، فهذه الجماعة قد انتشر بينها الكذب، لا أعني هنا على مستوى الممارسة الفردية وإنما أعني من خلال الإستراتيجية الدعوية عموما، ولنأخذ مثلاً كتاب حياتي لزينب الغزالي الجبالي وهو من كتب الإخوان المسلمين المشهورة والمتداولة بين الإخوان هذا الكتاب من الكتب التي تحدثت عن ما عاناه الإخوان المسلمون في سجون عبدالناصر، وذلك لأنه يروي قصة شاهدة عيان ألا وهي زينب الغزالي، والحقيقة أن هذا الكتاب كذبة كبرى فزينب لم تؤلف هذا الكتاب، وباعتراف يوسف ندا أنه هو الذي ألف هذا الكتاب في سويسرا ونسبه لزينب الغزالي بالتراضي والتواطؤ معها، وهكذا الكتاب الذي اتخذ كمرجع عن أحداث مرحلة ما هو إلا كتاب ملفق، وخذ مثلاً واقعة محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في ميدان المنشية في الإسكندرية جميع المعلومات التي تداولها الإخوان كانت تصر على براءة الإخوان من التخطيط لهذه المؤامرة واستمروا على هذه الحال كأبرياء من محاولة الاغتيال إلى أن اعترف توفيق الشاوي عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين بضلوعهم في هذه الواقعة. لقد لبس الإخوان ثوب المظلومية لفترة طويلة وكسبوا من خلال هذا الثوب التعاطف والأتباع والتمويل. وأكاذيبهم كثيرة لا يتورعون عن إطلاقها ولا يمنعهم دين بل هم يتعبدون بالكذب وعندهم ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب هنا الكذب، والمصلحة دعم الإخوان وتعزيز موقفهم الدعوي! أما حاكم المطيري فله باع في الكذب وآخر كذبة خرج بها علينا هي قوله في تغريدة أن قصيدة آيا صوفيا إنما قالها حافظ إبراهيم حينما حول الجامع إلى متحف بعد أن كانت مسجداً، وهذا كلام متهافت وغير صحيح، هذه القصيدة نشرت في مجلة العرفان سنة 1929م مع التوضيح عن سبب قولها وأنها قيلت بسبب أخبار خاطئة حول هزيمة العثمانيين في الجبهة اليونانية وخسارتهم لجامع آيا صوفيا، ثم اتضح للشاعر كذب هذه المعلومات فقطع هذه القصيدة. وكانت تتكون من 100 بيت فلم يتذكر منها الشاعر إلا 10 أبيات ذكر منها حاكم المطيري تسعة أبيات متابعاً في ذلك ما جاء في الديوان وهي عشرة أبيات في مجلة العرفان. والسبب في تهافت كلام حاكم أن حافظ إبراهيم قد توفي سنة 1932م وتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف تم في عام 1935م فكيف يكتب حافظ شعراً بعد وفاته؟ أنا هنا أذكر ذلك كمثال على أكاذيب حاكم خصوصاً إذا أراد أن يعزز فكرة. في هذه الأيام حاكم المطيري يعطي دروساً عن الأضاحي ومشروع الأضاحي وهي من المشاريع المشكوك في أمرها، فالبنك الذي يتلقى الأموال في تركيا والخروف بنفس سعر الخروف عندنا! وكذلك العجل وبالعملة الصعبة فكثيراً ما اكتشف أن أموال الصدقات والأضاحي قد ذهبت لصالح فئات معينة قد تكون إرهابية.