هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    إطلالة على الزمن القديم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    أرصدة مشبوهة !    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(التقية) وسيلة (الإخوان) للتمكن ثم الاستيلاء على الحكم (10 - 15)
نشر في الرياض يوم 31 - 07 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
عملية الفنية العسكرية: أول انقلاب عسكري بغطاء إخواني
صالح سرية اعتبر أن «الحكم القائم اليوم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر والمجتمعات في هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية»!
(الإخوان) عقدوا صفقة سياسية/ دينية مع تنظيمات متطرفة للقيام بمحاولة الانقلاب
إنشاء تنظيم من الشباب المتحمس لتنفيذ عملية نوعية ضد النظام مستغلين هامش الحرية
زينب الغزالي لعبت دور الوسيط المحوري في اللقاءات الدورية لإنشاء التنظيم
«رسالة الإيمان» تتماهى مع فكر (الإخوان) فيما يتعلق بالمشاركة السياسية وتحمل مسؤوليات حكومية
محاولة الانقلاب فشلت للطريقة البدائية التي دبرت بها والانشقاقات التي عرفها التنظيم
إن القضاء على تنظيم سيد قطب بالشكل الذي أصّلنا له في الحلقة السابقة سيدفع بجماعة الاخوان المسلمين إلى تغيير استراتيجيتها في مواجهة النظام المصري وتفادي الأخطاء التكتيكية التي وقع فيها التنظيم. هذه الاستراتيجية ستقوم على رسم مجموعة من التحالفات مع بعض التنظيمات التكفيرية وضبطها من خلال "ميثاق العمل المشترك" والذي يرتكز على مجموعة من المنطلقات أهمها:
* دعم جماعة الإخوان المسلمين لأي تنظيم يروم الانقلاب على النظام السياسي المصري وتوفير الغطاء الشرعي والمشروعية الشعبية (في حالة نجاح الانقلاب بطبيعة الحال)
* العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية بعد الوصول إلى السلطة والقطع مع القوانين الوضعية "الكفريّة"
* تتعهد التنظيمات التكفيرية بمجرد نجاح الانقلاب، بتسليم السلطة لجماعة الإخوان المسلمين على اعتبارها القوة الشعبية الأولى في مصر.
وفي هذا السياق، ستعمل جماعة الاخوان المسلمين على الدفع بتنظيمات متطرفة للقيام بمحاولة الانقلاب على النظام مع العمل على الركوب عليه في حالة نجاحه فيما يشبه صفقة سياسية/ دينية.
إن البحث في حقبة ما بعد إعدام سيد قطب وبروز الحركات التكفيرية التي حاولت قلب أنظمة الحكم وتكفير المجتمعات، يُظهر الارتباط العقدي لأفكار منظري هاته الحركات مع أفكار سيد قطب إلى حد التطابق.
وفي هذا السياق، أدى إعدام سيد قطب إلى ميلاد تيار فكري سيعرف باسم التيار القطبي والذي رأى في سيد قطب "شهيد" الإسلام الذي دفع حياته مقابل فكرة.
النكسة وإعادة بعث الشعور الإسلامي
جسّدت هزيمة 1967م صدمة للشعور العربي الذي كان يؤمن بأن أية معركة ضد إسرائيل ستؤدي حتما إلى سحق هذا الكيان والقضاء على تواجده بالمنطقة. وقد اعتبر البعض أن هذه الهزيمة هي بمثابة "عقاب من السماء" بسبب ابتعاد نظام عبدالناصر عن الدين الإسلامي وارتمائه في أحضان المعسكر الشيوعي "الملحد".
دفعت الهزيمة بعبد الناصر إلى تخفيف القبضة الأمنية وتركيز الجهود على القضية الرئيسية المتمثلة في إعادة بناء الجيش واسترداد الكرامة المصرية، لذلك سمح بقدر من الحرية للعمل الإسلامي واكبه تخفيف الرقابة الأمنية على "الإخوان المسلمين" وإطلاق سراح مجموعة منهم.
بدايات التأسيس
هذا المناخ من الانفراج سوف تستغله مجموعة من قيادات الإخوان من أجل إعادة ترميم صفوف الجماعة والتحضير للمواجهة المقبلة مع نظام عبدالناصر، حيث ستبدأ أولى بوادر تأسيس تنظيم مسلح مرتبط عقديا بأفكار وأدبيات سيد قطب و"تنظيميا" بجماعة الإخوان المسلمين من خلال البيعة التي قدمها الفلسطيني "صالح سرية" للمرشد العام حسن الهضيبي.
يروي صلاح عبدالصبور، أحد أعضاء التنظيم، أن بداية تشكّل هذا التنظيم، الذي سيُعرف إعلاميا ب"تنظيم الفنية العسكرية"، كانت صيف سنة 1967م بمسجد الحجاج بغيط مكرم بيك ومسجد الثالث عشر (13) بمدينة الاسكندرية على يد محمد بسيوني ورفاعي سرور اللذان كانا ينشطان بجماعة أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية اللتان كانتا الجمعيتين الوحيدتين المسموح لهما بالنشاط الديني بمصر.
خرج محمد بسيوني من عباءة هاته الجمعيتين وكان متشبعا إلى أبعد الحدود بأفكار الإخوان المسلمين. كما يعتبر هذا الأخير صاحب واحدة من أخطر الأفكار التي جاءت على لسان صلاح عبدالصبور عضو التنظيم في مرحلة النشأة، حيث ان محمد بسيوني طلب من أفراد التنظيم الذين يدرسون بالسنة الأخيرة من التعليم الثانوي، الالتحاق بالكليات العسكرية وتشكيل خلايا نائمة داخل هذه الكليات.
نهاية سنة 1967م سينضم طلال الأنصاري للتنظيم واستطاع أن يُصبح أحد أبرز قياداته، فتعرف هو ومجموعته على محمد بسيوني ونقل كل ما تعلمه منه إلى مدرسة الناصرية الثانوية التي كان يدرس بها.
مع رحيل جمال عبد الناصر سنة 1970 واعتلاء أنور السادات سدة الحكم ستعرف علاقة النظام المصري بالإخوان حركة انفراج واسعة، حاول من خلالها أنور السادات البحث في إمكانية التحالف مع الإخوان لمواجهة جبهة الناصريين والتقدميين والقوميين. فقام بالإفراج عن أول دفعة من "الإخوان المسلمين" والتي ضمت المرشد حسن الهضيبي وزينب الغزالي وعلي عبدو اسماعيل أخو عبد الفتاح اسماعيل الذي أعدم في قضية تنظيم سيد قطب.
اتصل طلال الأنصاري بعلي عبدو اسماعيل الذي قدمه بدوره إلى حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حيث تمت البيعة في منزل هذا الأخير وإعلان انتماء هذا التنظيم للجماعة.
استقر أمر الهضيبي على أن تواجد تنظيم من الشباب المتحمس يريد تنفيذ عملية نوعية ضد النظام، مع حالة الانفراج السياسية وهامش الحرية الكبير الذي أصبح سائدا في مصر على عهد السادات، لا ينقصه إلاّ قيادة تنظيمية كاريزمية يمكنها قيادة التنظيم الوليد. هذه الكاريزمة القيادية ستتوفر في المدعو صالح سريّة الذي ستقدمه زينب الغزالي لمرشد الجماعة الذي أعطى موافقته لسريّة من أجل قيادة التنظيم.
من هو صالح سرية؟
ولد صالح عبد الله سرية في فلسطين عام 1937م، ومكث بها حتى أكمل دراسته الابتدائية، ونقله الجيش العراقي الذي كان يعمل ضمن جيش الإنقاذ العربي في 1948م إلى بغداد ليكمل بها تعليمه ويدخل كلية الشريعة بجامعة بغداد. فرَّ صالح سريّة من العراق إلى سورية عقب اتهامه بالضلوع في محاولة اغتيال أحمد حسن البكر، القيادي بحزب البعث، والذي سيصبح رئيسا للعراق فيما بعد، ومن سورية انتقل إلى الأردن، ليرتبط بحزب التحرير الإسلامي الذي رفع شعار إعادة الخلافة على المنهاج النبوي، ويلتقي بالشيخ تقي الدين النبهاني، أحد قيادات الحزب، ليأخذ عنه فقه التغيير بالقوة. توجه صالِح سريّة إلى القاهرة ليحصل على رسالة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972م ليعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (الأونسكو) التابعة لجامعة الدول العربية.
عند وصوله للقاهرة عام 1971م، توجه صالح سرية صوب بيت زينب الغزالي، الداعية الإخوانية التي قدمته للمرشد العام للإخوان المسلمين، وعرفته بمجموعة طلال الأنصاري وإسماعيل الطنطاوي ويحيى هاشم، وهم الشباب الذين ستتشكل منهم النواة الأولى لتنظيم الفنية العسكرية.
أقنع حسن الهضيبي صالح سرية أن الإخوان المسلمين في مصر لا يريدون أن يكونوا في واجهة من يقوم بالانقلاب، مع استعدادهم لتقديم الدعم الشعبي في حالة نجاح الانقلاب.
سيكشف طلال الأنصاري أحد قادة التنظيم في مذكراته "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة: من النكسة إلى المشنقة"، أنهم كانوا قد شكلوا تنظيما سريا بمدينة الإسكندرية عام 1968، وظل هذا التنظيم قائما إلى أن خرج الإخوان من السجون وذهب إلى أحد كوادر جماعة الإخوان بالإسكندرية وهو الشيخ علي عبده إسماعيل، ليقوم بترتيب لقاء مع زينب الغزالي التي رتبت لقاء يجمعه بالمرشد العام آنذاك المستشار حسن الهضيبي أواخر عام 1972، وذلك بمنزله بحي منيل الروضة ليقدم له البيعة.
سيطفو إلى السطح بعد ذلك اسم زينب الغزالي التي ستلعب دورا الوسيط المحوري في اللقاءات الدورية لطلال الأنصاري بصالح سرية في منزلها. هذا الأخير الذي طلب منه قطع صلته بجميع الإخوان إلا هو، وفي هذا يقول طلال الأنصاري في شهادته في برنامج الجريمة السياسية الذي بث على قناة الجزيرة أن صالح سرية صرّح لنا "أنكم بايعتم المستشار حسن الهضيبي وبايعتم الإخوان وهذه البيعة سارية".
من هذا المنطلق، تبدو مكعبات الصورة جليّة وواضحة من خلال تكليف حسن الهضيبي لصالح سرِيّة بقيادة التنظيم الذي كان يتزعمه طلال الأنصاري وقطع صلة التنظيم الوليد "تنظيميا" بجماعة الاخوان المسلمين، إلى غاية القيام بالمحاولة الانقلابية ضد النظام المصري والتي يتم بعدها، في حالة نجاحها، تسليم السلطة لجماعة "الإخوان المسلمين" باعتباره التنظيم الذي يتوفر على قاعدة شعبية تُمكّن من إضفاء المشروعية الشعبية للانقلاب العسكري المرتقب.
ولعل ما أثارنا ونحن نطالع الوثيقة الوحيدة التي اعتبرت "ميثاق" التنظيم والتي عنونها صالح سرية ب"رسالة الإيمان"، هو تماهيها مع بعض المرتكزات التي تعتمدها جماعة "الإخوان المسلمين" خصوصا فيما يتعلق بالمشاركة السياسية وتحمل مسؤوليات حكومية، رغم أن الأطروحة التكفيرية لا تقبل بجميع تمظهرات الممارسة الديمقراطية وتعتبرها تشريعات كفرية لا يجب المشاركة فيها قطعا لأنها تعارض حاكميّة الله في أرضه. ومن هذه التقاطعات الفكرية نعرض المبدأين الثامن والتاسع من رسالة الإيمان والتي تنص على ما يلي:
8- جواز العمل الحزبي الإسلامي والإسهام من خلاله في الانتخابات ودخول البرلمان والمشاركة في الوزارات.
9- يجوز للمسلم أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية، ويستغل منصبه لمساعدة الجماعة للحصول على السلطة، أو التخفيف عنها في حالة المحنة، أو إفادتها بأي طريق، ولا مانع أن يصبح وزيراً حتى مع حاكم طاغية إذا كان بهذه النية.
بعض جوانب البناء العقدي لصالح سريّة: رسالة الإيمان
سنحاول التأصيل للبنية العقدية والفكرية لصالح سريّة من خلال بسط أهم ما جاء في وثيقته المذهبية "رسالة الإيمان"، وكذا بسط حيثيات المحاولة الانقلابية التي قام بها التنظيم المسلح ليلة 18 أبريل 1974 .
يضع صالح سرية "الحاكمية" كمعيار رئيسي لتحديد الهوية الدينية للفرد فيقول: "إنه وحده (يقصد الله تعالى) صاحب التشريع في هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق في إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له رباً سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله".
على هذا الأساس صرّح صالح سرية بكفر جميع الأنظمة بلا استثناء حيث "إن كل الأنظمة وكذلك كل البلاد الإسلامية التي اتخذت لها مناهج ونظما وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا. فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربّاً سوى الله، وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركي الجاهلية.
ولا يخفي صالح سرية تأثره بالأب الروحي للتنظيمات الإرهابية، سيد قطب، ويرى أنه أفضل من فسر القرآن الكريم، فيقول "... ولعل خير التفاسير التي يمكن الرجوع إليها كتاب ابن كثير أو كتاب الظلال لسيد قطب في طبعاته الأخيرة".
إن دراسة "رسالة الإيمان" تجعلك تقف عند ترسُّخ مفهوم التكفير في جميع مقالات هذا "المانيفستو"، ولا تكاد تخلو فقرة أو إشارة أو عبارة من إصدار أحكام الكفر حتى تتولد لديك القناعة التامة أنه لا يوجد مسلم على وجه الأرض بالمفهوم الذي يقدمه صالح سرية في أسلوب يقطر عنفا وكفرا وتحريضاً. كما لم تسلم الحكومات والمجتمعات من سهام التكفير بالإطلاق، في حكم لا يختلف عن أسلافه الخوارج والمودودي وسيد قطب حيث "إن الحكم القائم اليوم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك في ذلك، والمجتمعات في هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية". أما الحكومات في الدول الإسلامية فيقول عنها صالح سريّة: "فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام".
عملية الفنية العسكرية
سيتم الإعداد لخطة الانقلاب على نظام السادات باعتماد تكتيك عسكري يضم أربع تشكيلات:
* مجموعة الاسكندرية تحت إشراف طلال الأنصاري
* مجموعة القاهرة والجيزة تحت قيادة حسن هلاوي ومصطفى يسري
* مجموعة الكليات العسكرية التي تتصل بكارم عزت الأناضولي
* مجموعة الجيش التي تتبع مباشرة لصالح سريّة
في ليلة 18 من أبريل من سنة 1974م سيتحرك التنظيم لتنفيذ خطته وذلك بالهجوم على مدرسة الكلية الفنية العسكرية بعدما عمل أحد الطلاب التابعين للتنظيم على محاولة تخدير الحراس بالبوابات الرئيسية. وفي حالة نجاح الاقتحام تقرّر الاستيلاء على السلاح والتوجه إلى مقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي حيث سيعقد هناك الرئيس الراحل محمد أنور السادات اجتماعا مع مجموعة أركان النظام المصري لمناقشة خطة العمل التنفيذية لورقة أكتوبر، ومن ثم محاصرة الرئيس وإرغامه على الاستقالة وقراءة البيان رقم واحد 1 الذي سيؤسس لقيام الدولة الإسلامية في مصر. كما كان صالح سرية، حسب إفادة من شاركوا في هذه القضية، سيقوم بتسليم السلطة لأكبر هيئة إسلامية معروفة وهي "الإخوان المسلمين".
غير أن محاولة الانقلاب فشلت نتيجة الطريقة البدائية التي دبرت بها وكذا الانشقاقات التي عرفها التنظيم في آخر لحظة.
في هذا السياق، قام سعد دربالة عضو التنظيم والطالب في الكلية العسكرية بمحاولة تخدير حراس الفنية العسكرية عن طريق تقديم حلوى للحراس وهنا وقع الخطأ التكتيكي الخطير، حيث لم تكن مادة مخدرة وإنما مادة مهدئة أحضرت خطأً عن طريق هاني الفرنواني العضو في التنظيم، وعندما حاول أفراد التنظيم الوصول إلى مخزن السلاح وقع الاشتباك مع الحرس وكانت هذه إشارة لفشل العملية.
إضافة إلى هذا الخطأ القاتل الذي سيفضح أمر العملية برمتها قام أحمد الرجال، أحد أعضاء التنظيم، بالانسحاب والتوجه صوب مقر رئاسة الجمهورية للتبليغ عن باقي أفراد التنظيم، وسيتم اعتباره كشاهد في القضية وسيتم إطلاق سراحه. كما قام جلال شفيق بالفرار في آخر لحظة والاتجاه إلى مباحث أمن الدولة التي أبلغت المخابرات العسكرية بالعملية الانقلابية.
كل هذه الظروف ساهمت في فشل محاولة الانقلاب التي كانت بمثابة أول انقلاب عسكري بتوجيه إخواني، وكانت نتاج أول تنظير إسلامي لفقه الانقلابات العسكرية سينتج عنه أحكام بالإعدام على كل من صالح سريّة زعيم التنظيم، وكارم الأناضولي وطلال الأنصاري الذي خُفّف عنه الحكم إلى المؤبد.
طويت قضية الكلية الفنية العسكرية، لكن ذلك لم يكن يعني نهاية هاته التنظيمات التكفيرية، حيث سنقف على تنظيم أخطر سيقوده أحد تلامذة سيد قطب الذي سيُنشئ "جماعة المسلمين" والتي ستعرف إعلاميا ب "جماعة التكفير والهجرة" والتي سيكون من بين جرائمها اغتيال وزير الأوقاف المصري الشيخ محمد حسين الذهبي.
تقي الدين النبهاني أحد قادة حزب التحرير الإسلامي في الأردن وأستاذ سرية
الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر
زينب الغزالي لعبت دور الوسيط المحوري في اللقاءات الدورية
كارم الأناضولي تزعم مجموعة الكليات العسكرية
الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات
عناصر أحداث الفنية العسكرية خلال محاكمتهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.