ذات السياق لخطابه المزدوج في قضية القدس وإسرائيل، هو لب الخطاب المعروف للرئيس التركي طيب رجب أردوغان، فحين يتعلق الأمر بحشد تأييد المسلمين له فإنه لن يتوانى عن استدعاء العاطفة الدينية ورفع شعارات القضية الفلسطينية واللعب بورقة القدس، وحين يكون الأمر سياسياً بحتاً فيما يلمع علمانيته أمام القوى العظمى فإنه سيخنع ذليلاً بنشر رسائل السلام مع إسرائيل ومؤيداً لوجودها ومندوباً مطيعاً لعقد الصفقات والمساعدات والاستثمارات على أرضها تلبية لنداء الساسة ومن يحركون موازين القوى العالمية. «إحياء مسجد آيا صوفيا من جديد بشارة نحو عودة الحرية إلى المسجد الأقصى» هكذا غرد أردوغان على تويتر قبل أيام باللغة العربية، حيث ربط تحرير الأقصى بتحويل متحف آيا صوفيا -الذي كان في الأصل كنيسة- إلى مسجد بعد حكم صادر من محكمة تركية يلغي كونها متحفاً لتصبح مسجداً يبشر بحل قضية القدس ويدغدغ أفئدة المسلمين، وفي ذات السياق ونفس الخبر غرد باللغة الإنجليزية تغريدة أخرى موجهة للعالم ليقول: «أبواب آيا صوفيا سوف تكون مفتوحة للجميع سواء كانت للأجانب أو للمواطنين وللمسلمين أو لغير المسلمين وستواصل التراث المشترك للبشرية» وهنا يتجلى خطاب التناقض الذي انفرد به أردوغان كرئيس دولة يروج لأسلمة بلاده وعلمنتها في آن واحد يغازل هؤلاء وهؤلاء، ولن تجد من يبرر له أو يصفق لهذا الخطاب المزدوج والمتناقض سوى إخونجية العرب وحزبيي قطب والبنا وساسة قطر والهاربين إليها من فلول الإخوان. تمر تركيا بحالة اقتصادية طاحنة خيمت بظلالها منذ أكثر من سنة، وتوسعت بعد أزمة كورونا باستمرار تهاوي أسعار الليرة وتراجعات الاستثمارات الأجنبية وارتفاع نسبة البطالة والفقر ما اضطر الكثير من الشركات إلى تسريح موظفيها وتقليص الأيدي العاملة، لكن تحويل آيا صوفيا التاريخية إلى مسجد لن يلهي الشعب عن لقمة عيشه ولن يصده عن ظروف بلاده الاقتصادية المريعة ولن يضيف قيمة دينية إلى إسطنبول وهي تعج أصلاً بالمساجد التي تستخدم كمزارات سياحية في المقام الأول، وآيا صوفيا كنيسة بناها البيزنطيون عام 537م وحين جاء محمد الفاتح حولها إلى مسجد بعد فتح القسطنطينية عام 1453م، وفي عهد أتاتورك -عراب العلمانية في تركيا - تم إدراجها عام 1935م كمتحف تاريخي يضم أندر المخطوطات والقطع المسروقة كقطع الحجر الأسود للكعبة الشريفة! يقول المثل النجدي (من ضيّع المراجل نصى الدين) أي من فقد الرجولة لجأ للدين، وها هو أردوغان بعد أن أُسقط بيده وفقد أوراقه الانتخابية وتجرد من مقوماته الرئاسية يلجأ للدين وابتزاز المشاعر الدينية للمجتمعات المسلمة، والمفارقة أنها قد سبقته بها إحدى مذيعات قناة الجزيرة ولجأت لتأجيج العاطفة الدينية حين ضيعت طريق الصيت الثروة لتجده في التمسح بالدين فانتقدت المملكة في عدم احترام مدينة الرسول.. علماً أنها «مسيحية»!!