التهب المشهد في المنطقة والعالم مع مطلع العقد الماضي الذي شهدت بداياته أضخم عمل إرهابي موجه استطاع أن يربك العالم وأن يعيد ترتيب كثير من مساراته السياسية والعسكرية؛ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول. كان الهدف الرئيسي لتلك العملية التي شاركت دول واستخبارات متعددة في تنفيذ وتسهيل خطواتها، كان ضرب التحالف السعودي الأمريكي خاصة أنه شهد عقدا وثيقا من العمل المشترك (العقد قبل الماضي) تجلى في أكثر من جانب كان أبرزها في التحالف العسكري لتحرير الكويت من الغزو العراقي. استغلت القوى المناهضة لذلك التحالف أحداث الحادي عشر من سبتمبر لإلصاق التهمة بالمملكة، وجندت لذلك كل طاقاتها ولوبياتها السياسية والإعلامية في الولاياتالمتحدة وخارجها، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ورغم تعالي بعض الأصوات اليمينية المتشددة في الداخل الأمريكي ضد المملكة إلا أنها ما لبثت أن اختفت ولم تترك أي أثر يذكر. إنما لماذا هذا الاستهداف التآمري تجاه المملكة وما الذي تهدف إليه تلك المؤامرات؟ في الواقع أن تلك المؤامرات تستهدف محور الدولة الوطنية العربية الحديثة الذي أثبت أن النموذج الأبرز القادر على تقديم تجربة واقعية قابلة للنمو شريكة للعالم وتمثل المملكة اللاعب الأبرز في هذا المحور واستهدافها هو استهداف للمحور الذي يضم بلدانا محورية في المنطقة؛ مثل مصر والإمارات والبحرين والكويت وغيرها، ويمثل هذا المحور القوة التي تحول دون تمكن القوى غير الوطنية، أي القوى ذات المشاريع التوسعية والعقائدية والتي تمثل مصدر الأزمات والقلاقل في المنطقة وتسعى في سبيل تحقيق أهدافها للتحالف مع أية قوة أو طرف لديه أطماعه وأهدافه في المنطقة. يمثل النظام الإيراني النموذج العقائدي الكهنوتي الأبرز اليوم في العالم ويوجه كل مقدراته لتنفيذ ونشر أيديولوجيته المتطرفة الغيبية ولا تمثل الدولة الوطنية الحديثة بالنسبة له مشروعا ولا هدفا، ولذلك تجد واقعا متراجعا على كل الأصعدة في البلدان التي لإيران فيها موطئ قدم وقوة تتبع لها؛ لبنان والعراق وسوريا واليمن الأمثلة الأبرز على ذلك بما تشهده واقع كارثي مستمر. الأطراف التآمرية الأخرى في المنطقة تتمثل في كيانات صغرى جعلت من نفسها أشبه ما تكون بغرف العمليات وصناديق التمويل لمختلف المؤامرات وأبرز نموذج هنا هو النظام القطري. لا يقوم النظام القطري بكل مغامراته التي تنتهي بالفشل دائما من دافع عقائدي، بل يعكس مشكلة تتمثل في نظرة النظام لنفسه، فالأحلام السياسية غير الواقعية وغياب المسؤولية الداخلية جعلت منه نظاما مارقا ومتورطا في كل المؤامرات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة. إنه نظام يبني مستقبله على خطط وأوهام لا علاقة لها بالواقع ولا تنم عن أي وعي سياسي لذلك حول النظام بلاده إلى مجرد جهاز من التحالفات المتناقضة وغير الراشدة والتي انتهت به منبوذا في منطقته وفي محيطه. الطرف التآمري الثالث في المنطقة يمثله النظام التركي، لقد بدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم وديعا في سنواته الأولى ومع ارتكاز الحزب على أيديولوجية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وبعد الفشل المتوالي في المفاوضات بشأن الانضمام للاتحاد الأوربي ومع تشديد القبضة على الحكم في البلاد تأججت أيديولوجيا الحزب إضافة إلى شخصية الرئيس أردوغان التآمرية ونزعته السلطوية وحلمه التوسعي، تلك كلها عوامل طغت على قيم الدولة الوطنية التركية الأتاتوركية وكان مشروع عام 2011 أضخم المغامرات التي خاضها النظام ولا يزال متورطا بها إلى اليوم. يبرز نظام القذافي كأسوأ طرف في تلك المجموعة وتدل نهايته المأسوية على ذلك بوضوح، لقد كان هو الهدف الأول لمحور التآمر وبخاصة الطرف التركي والقطري مع مكاسب مستقبلية إقليمية للطرف الإيراني، كان السبب في ذلك أولا هو شهية تلك الأطراف لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتصارات وبأسرع وقت، ولأن ليبيا لم تكن دولة حقيقية بل كانت نظاما هشا يزعج العالم بتورطه في الإرهاب وبتصريحاته البغيضة. استخدمت تلك الأطراف الإرهاب ثم اتجهت بعد ذلك لاستخدام الثورات وهي تتحرك اليوم لمحاولة اللحاق بما يمكنها اللحاق بعد الهزائم المتوالية التي مني بها مشروع الربيع العربي على أيدي محور الاستقرار في المنطقة: السعودية والإمارات ومصر والبحرين. إن أبرز أسباب التآمر والمواجهة يعود إلى اختلاف الأرضيات السياسية والوعي السياسي اللذين ينطلق منهما المحوران، إذ ينطلق محور الاستقرار من الواقعية السياسية والإيمان بأهمية تمكين الدولة الوطنية بصفتها الضامن الأول للاستقرار والتنمية والسلم والحريات، بينما ينطلق محور التآمر في المنطقة إما من أرضيات أيديولوجية توسعية غير واقعية أو من أحلام وطموحات أيضا لا علاقة لها بالواقع.. ولذلك ننتصر دائما بينما يخسرون دائما. كاتب سعودي yahyaalameer@