الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومنهم أبو الطيب المتنبي (303ه - 354ه) (915م - 965م) وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي أبو الطيب الكندي، الكوفي المولِد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة، لا لأنه منهم، وعاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب، وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً في اللغة العربية، وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر وحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ولقد قال الشعر صبياً، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً، وقيل عنه إنه بشعره مالئ الدنيا وشاغل الناس، يقول في مدح محمد بن عبيدالله الكوفي: يا ديار العباهر الأترابِ أين أهل الخيام والأطنابِ قذفت بالبدور عنك ظهورُ ال بُدن قذف القسِيِّ بالنُشابِ غادة تجعل الخلي شجياً وتصيب المحب بالأوصابِ صدُّها يذهل العقول بالوص ل ترد العقول بعد ذهابِ يا شبابي ترفَّقَن بشبابي نمتَ عن ليتي وبتُّ لما بِي تالفاً بين ميتة وحياةٍ واقفاً بين رحمةٍ وعذابِ خُذ إلهي من الملاح لجسم حُلن ما بينه وبين الثيابِ سوءةٌ للتي شكوت فقالت سوءةٌ للمُمَخرق الكذّابِ أعتَبت بالصدود بعد عتابِ ورمت بالنقاب بالعُنّابِ بعُنَابٍ تسوّدت من حشائي بسواد ومن دمي بخضابِ وتمشّت من الفؤاد بنعلٍ حُرُّ وجهي له مكانَ الترابِ آه لم يدر ما العذاب فؤادٌ لم يذق طعمَ فرقة الأحبابِ أبعدي فالسلوُّ أجمل عندي من حضور البكا على الغُيّابِ ووقار الفتى بغير مشيب كصبو امرئٍ بغير شبابِ سقِّني ريقها وسقِّ نديمي من سلاف ممزوجة برضابِ واسقِ أطلالها وإن هجرتنا يا إله السماء نوءَ السحابِ مضلخِمَّ الروقين مثعنجرَ الود ق مسفَّ الجهام داني الربابِ مسبلاً مثل راحة ابن عبيد ال لهِ معطى الورى بغير حسابِ يستقل الكثير معتذراً من أخذه طالباً إلى الطُلّابِ فنفوس الأموال غير رواضٍ عنه والسائلون غير غضابِ إن جود الوسمي بل زبد البح ر ترامى عبابُه بحَبابِ دون جدوى أبي الحسين إذا ما اش تغل الشعر بالعطايا الرغابِ