ناغمتْ أرواحُ ثلاثين شاعرا من أنحاء الوطن العربي والإسلامي ودول أوروبا لأربعة أيامٍ خلت من شهر نوفمبر الجاري وفي فصل الخريف الذي لوَّنَ صفحة "زيورخ" كبرى مدن سويسرا باللون الذَّهبي السَّاحِر وبالأحمر القاتم والفاتح والبرتقالي الجميل الدافئ والبنفسج المثير لكوامن النفس المولعة بالجمال وعلى أنغام ابن السَّقَّاء مالئ الدنيا وشاغل الناس أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي الملقب بأبي الطيب المتنبي في مهرجانه الحادي عشر الذي اعتاد المركز الثقافي العربي السويسري في زيورخ على افتتاحه سنويا في مثل هذا التوقيت وقد حضرت القصيدةُ العربية والأوروبية بشتى أطيافها البيتية الخليلية منها وذات الأشطر من الشعر الحر المرسل وما تسمى "بقصيدة النثر" التي كان لها النصيب الأكبر بين شعراء المهرجان لكونها الأسهل والأقرب للترجمة للغاتٍ أخرى من العمودية والتفعيلة كما أن عناصرها الفنية قد بانت جلية واضحة مزدانة ببلاغة الصور وجماليات المجازات والمفارقات الديناميكية للقصيدة الصورة وموسيقى العرض وآليات الأداء من شعراء تركيا واسبانيا الذين زينوا قصائدهم بالتمثيل الدرامي المسرحي عبر آلات العزف المصاحب للإلقاء من البيانو والبوق والتجسيد الحركي على خشبة المسرح ولم يفت شاعر العراق الشاب "ناصر مؤنس" أن يخرج القصيدة العربية النثرية من حيز الجمود للحركة والحيوية وانبعاث الروح المثيرة للدهشة عبر دمج قصائده بالخط والتشكيل ورسومات حرفية حولتها إلى مخطوطات عربية نادرة لم تتردد مكتبة الإسكندرية ومتحف درامنز النرويجي والمتحف البريطاني ومعهد العالم العربي في باريس في اقتنائها واستطاع بذلك أن يضيف بُعدا فنيا جماليا للقصيدة العربية وفق رؤية عصرية حضارية تتمخض عبر الحرف والرسم والخط والتشكيل كما أن اللافت في المهرجان أنه وبكل إتقان تمكن من جمع قلوب وأرواح شعراء من مختلف اللغات والألسنة والتوجهات الفكرية والمراحل العُمرية بأجيالٍ مُتعاقبة من أجيال الثقافة والفكر والأدب من عرب وأكراد وأعاجم فقد ذابت الفوارق وانصهرت الاختلافات في بوتقة المتنبي وفي ظل التغيير الذي عصف بأرجائنا ومن كافة الاتجاهات فبات للمثقف والأديب الدور البارز في صنع الأجمل والأفضل والأروع بعيدا عن هزلية الحيادية والعزلة فكان جديرا بحق أن عدتهُ دائرة اليونسكو في سويسرا من أفضل فعاليات حوار الحضارات لعامين متتاليين فالشكرُ كل الشكر لمؤسسيه والقائمين عليه والمشاركين فيه..