• لا تُذكَر تهامة إلا ويُذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: «تهامة كبدع العسل، أوله حلو وآخره حلو»، أما ليل تهامة فقد وصفته صاحبة حديث أمّ زرع بقولها في وصف زوجها أبي زرع: «أبو زرع كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا ملل ولا سآمة». أما إذا ذكرت في الشّعر فأول ما يستعيده الذاكرون من القصص والمواقف والأحداث التي تكون فيها تهامة مدخلاً للحبّ تارة، وللوصف والرثاء تارة أخرى كما في أشهر قصيدتين لأبي الحسن التهامي ودوقلة المنبجي الذي نسبت إليه القصيدة اليتيمة كما نسبت لذي الرمّة! وتهامة التي عناها الشعراء هي تهامة التاريخية التي تمتد من السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر في الحجاز إلى اليمن، ومن أشهر مدنها الساحلية اليوم جدة، ينبع، الليث، القنفذة، جازان، الحديدة، زبيد، إضافة إلى مرتفعات تهامة ونجودها مثل، مكةالمكرمة، المخواة، بارق، قنا، محايل عسير، رجال ألمع، كما ورد في الموسوعة العالمية ويكييديا. • فأما القصيدة الأسطورة التي يرد ذكر تهامة فيها وتستعيد بها «دعد» الشاعرة النجدية الجميلة والبليغة التي منعتها أنفتها وكبرياؤها من الزواج إلا برجل أشعر منها، ومع انتشار هذا الشرط وذيوعه استحثّ الشعراء قرائحهم فنظموا القصائد إلا أنّها لم ترضِ دعداً، حتى شاع خبرها في أنحاء جزيرة العرب وأصبحت هذه القصّة وهذا الشرط حديث الناس! ومما يُروى أنّ شاعراً بليغاً في تهامة حدّثته نفسه أن ينظم قصيدة في هذه المناسبة، ولما اكتملت ركب ناقته، وقصد نجداً موطن دعد، وفي طريقه التقى بشاعر ذاهب هو الآخر إليها لنفس السبب وقد نظم قصيدة في دعد، ولما اجتمعا باح التهامي لصاحبه بغرضه، وقرأ عليه قصيدته، فرأى أن قصيدة التهامي أعلى طبقة من قصيدته، وأنه إذا جاء بها إلى دعد أجابته إلى خطبتها، فوسوس له الشيطان أن يقتل صاحبه وينتحل قصيدته، فقتله، وحمل القصيدة حتى أتى دعداً التي دعاها أبوها لتجلس فتسمع وترى. وكما تقول الروايات فإنّ الشاعر أخذ ينشد القصيدة بصوت عالٍ، فأدركت دعد من لهجته أنه ليس تهامياً، ولكنها سمعت أثناء إنشاده أبياتاً تدل على أن ناظمها من تهامة، فعلمت بنباهتها وفراستها أن الرجل قتل صاحب القصيدة وانتحل قصيدته، فصاحت بأبيها «اقتلوا هذا، إنه قاتل بعلي»، فقبضوا عليه، واستنطقوه فاعترف! ومع الاختلاف في نسبة هذه القصيدة إلى قائلها، إلا أنّ نسبتها إلى ذي الرمة أو إلى دوقلة المنبجي كانت الأشهر وقد جاء هذا البيت ليعزز اسم «تهامة» التي نتحدث عنها! إن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ • ارتبطت «تهامة» باسم شاعرها الأكبر علي بن محمد التهامي، المعروف بأبي الحسن التهامي الذي يُعدّ من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي كما ورد في موسوعة «أدب» بشاعر وقته! ولد ونشأ في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية وأخرى لبني أمية. انتحل مذهب الاعتزال، وسكن الشام مدة، ثم قصد العراق والتقى الصاحب ابن عباد، وعاد فتقلد الخطابة بجامع الرملة، واتصل بالوزير المغربي فكان من أعوانه في ثورته على الحاكم الفاطمي، كما ذكر في موسوعة «أدب» قول الباخرزي أنه قصد مصر واستولى على أموالها، وملك أزمة أعمالها، ثم غدر به بعض أصحابه فصار ذلك سبباً للظفر به، وأودع السجن في موضع يعرف بالمنسي حتى مضى لسبيله. وبما أنّ الكتابة عن تهامة فالواحب ألا نعبر إلى شيء آخر قبل أن نشير إلى قصيدة أبي الحسن التهامي في رثاء ابنه التي ورد فيها بيته الشهير: جاورت أعدائي وجاور ربّه شتان بين جواره وجواري! • أما تهامة التي دفعتني لكتابة هذه الثرثرة، فهي التي عناها الشاعران إبراهيم طالع الألمعي وأحمد عبدالله عسيري في قصيدتين بعنوان «تهامة» وقصدا بها محافظة رجال ألمع التي كتب فيها الشاعر إبراهيم طالع نصّه الشعري كما فعل ذلك أحمد عسيري، إلا أنّ عالم طالع يختلف كثيراً عن عالم عسيري، لأنّ قصيدة طالع تقرأ تهامة كتاريخ للحزن والفرح، للغيوم والهجير، لليل وصفو الحياة، فيما يقرؤها أحمد عسيري مكاناً للخضرة والدفء والغناء والشعر وموطن السدر والعسل، إضافة إلى إنسانها الذي أنبته الحبّ ودفقه كما يقول! تهامة التي وصفها طالع بقوله: إذا تَرِحتْ تنمقني دموعاً وإن فَرِحت فتطلقني احتفالاً أما أحمد عسيري فيصفها بأنها تلك التي:يخضرّ فوق جبال الريح مرآها ويمرحُ الفجر في أثواب ليلاها.