الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، ومن الشعراء: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي التميمي، ويُكنّى بأبي حزرة، وكان يغلب على شعره الهجاء. كانت ولادته في اليمامة عام 33ه وتوفي عام 110ه. ونشأ فقيراً، إذ كان في بداية عمره راعياً لإبل قومه، برع في كتابة الشعر حتى قيل عنه إنه يغرف من بحر. قال أعرابي في مجلس الخليفة عبدالملك بن مروان وكان عنده جرير: «بيوت الشعر (مدح وغزل وهجاء) وفي كلها غلب جرير». ففي المدح قال: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح وقال في الغزل: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا وفي الهجاء قوله: فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا فأعطاه جرير ناقة ومئة دينار وأعطاه الخليفة مثلها. ومن شعره: أَلا أَيُّها القَلبُ الطَروبُ المُكَلَّفُ أَفِق رُبَّما يَنأى هَواكَ وَيُسعِفُ ظَلِلتَ وَقَد خَبَّرتَ أَن لَستَ جازِعاً لِرَبعٍ بِسَلمانينَ عَينُكَ تَذرِفُ وَتَزعُمُ أَنَّ البَينَ لا يَشعَفُ الفَتى بَلى مِثلَ بَيني يَومَ لُبنانَ يَشعَفُ وَطالَ حِذاري غُربَةَ البَينِ وَالنَوى وَأُحدوثَةٌ مِن كاشِحٍ يَتَقَوَّفُ وَلَو عَلِمَت عِلمي أُمامَةُ كَذَّبَت مَقالَةَ مَن يَنعى عَلَيَّ وَيَعنُفُ بِأَهلِيَ أَهلُ الدارِ إِذ يَسكُنونَها وَجادَكِ مِن دارٍ رَبيعٌ وَصَيِّفُ سَمِعتُ الحَمامَ الوُرقَ في رَونَقِ الضُحى بِذي السِدرِ مِن وادي المَراضَينِ تَهتِفُ نَظَرتُ وَرائي نَظرَةً قادَها الهَوى وَأُلحي المَهارى يَومَ عُسفانَ تَرجُفُ تَرى العِرمِسَ الوَجناءَ يَدمى أَظَلُّها وَتُحذى نِعالاً وَالمَناسِمُ رُعَّفُ مَدَدنا لِذاتِ البَغيِ حَتّى تَقَطَّعَت أَزابِيُّها وَالشَدقَمِيُّ المُعَلَّفُ ضَرَحنَ حَصى المَعزاءِ حَتّى عُيونُها مُهَجِّجَةٌ أَبصارُهُنَّ وَذُرَّفُ كَأَنَّ دِياراً بَينَ أَسنِمَةِ النَقا وَبَينَ هَذاليلِ النَحيزَةِ مُصحَفُ فَلَستُ بِناسٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ وَلا ما ثَوى بَينَ الجَناحَينِ زَفزَفُ دِياراً مِنَ الحَيِّ الذينَ نُحِبُّهُم زَمانَ القِرى وَالصارِخُ المُتَلَهِّفُ هُمُ الحَيُّ يَربوعٌ تَعادى جِيادُهُم عَلى الثَغرِ وَالكافونَ ما يُتَخَوَّفُ عَلَيهِم مِنَ الماذِيِّ كُلُّ مُفاضَةٍ دِلاصٍ لَها ذَيلٌ حَصينٌ وَرَفرَفُ أَنا ابنُ أَبي سَعدٍ وَعَمروٍ وَمالِكٍ أَنا ابنُ صَميمٍ لا وَشيظٍ تَحَلَّفوا إِذا خَطَرَت عَمروٌ وَرائي وَأَصبَحَت قُرومُ بَني بَدرٍ تَسامى وَتَصرِفُ وَلَم أَنسَ مِن سَعدٍ بِقُصوانَ مَشهَداً وَبِالأُدَمى ما دامَتِ العَينُ تَطرِفُ وَسَعدٌ إِذا صاحَ العَدُوُّ بِسَرحِهِم أَبَوا أَن يُهَدَّوا لِلصِياحِ فَأَزحَفوا إِذا نَزَلَت أَسلافُ سَعدٍ بِلادَها وَأَثقالُ سَعدٍ ظَلَّتِ الأَرضُ تَرجُفُ