أولت المملكة تطوير البيئة العدلية اهتماماً بالغاً كونها أحد ركائز «رؤية 2030»، ولما كان التشريع والقضاء من أهم الركائز التي تقوم عليها عملية التطوير وتحقيق الرؤية، سعت الدولة لتطوير السلطة القضائية وإعادة هيكلة أجهزتها بالكامل، فأصدرت العديد من الأنظمة وعدلت عددا آخر، كما افتتحت عددا من المحاكم وجددت بعض الاختصاصات القضائية، ومن أهمها ما يتعلق بالدوائر والمحاكم التجارية، فكان من البديهي والمنطقي أن يصدر نظام جديد خاص بالمحاكم التجارية يواكب ويتلاءم مع مستجدات التجارة العالمية وحالة الازدهار والانفتاح الاقتصادي الذي تستهدفه المملكة من خلال خلق بيئة استثمارية خصبة وجاذبة للمستثمر الوطني والأجنبي على حد سواء. ويعد نظام المحاكم التجارية الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/93) وتاريخ 15/08/1441ه من أهم الأنظمة الصادرة خلال هذه الفترة، كونه يعتمد على آليات إجرائية وموضوعية مستحدثة في النظام القضائي السعودي، والتي ستجعل منه شكلاً مختلفاً عن بقية الأنظمة القضائية كي يتماشى مع التطور المتلاحق الذي نعيشه ويلبي احتياجات هذه المرحلة بما يخدم المرفق القضائي ومصالح المتقاضين، ويحقق قدرا أكبر من الشفافية والمرونة لسرعة وإنجاز القضايا. من أبرز ما استحدثه نظام المحاكم التجارية الجديد الوارد في (96) مادة، أنه فصل الآلية الإجرائية للمحاكم والدوائر التجارية عن غيرها من الدوائر والمحاكم، فألغى المادة (35) من نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22 /01 /1435ه، وبذلك أصبح للقضاء التجاري نظام إجرائي خاص ينظم أحكامه بما يتفق مع خصائصه، كما حرص على وجود أقسام متخصصة داخل المحكمة التجارية ووضع مسارات وآليات متنوعة ومرونة تسهم في سرعة الفصل في الدعوى، فنص على تشكيل المحاكم التجارية من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية بذات المحكمة، مع إمكانية الإستعانة بخريجي ودارسي الشريعة والأنظمة وفق آلية تحددها اللائحة التنفيذية للنظام، كما نصت المادة (67) على أحقية الدائن في التقدم إلى المحكمة بطلب إصدار أمر بأداء دين بشرط أن يكون الحق ثابتا كتابة وأن يكون الدين حال الأداء ومعين المقدار سواء كان نقداً أو منقولاً وذلك بعد إشعار المدين قبل خمسة أيام على الأقل من التقدم للمحكمة طالباً الوفاء ثم تقوم المحكمة بفحص الطلب خلال مدة أقصاها 10 أيام من تاريخ قيد الطلب وتصدر حكمها الملزم بالوفاء أو رفض الطلب، ويحق للمدين استئناف أمر الأداء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه بصدور أمر الأداء. وقد نص النظام على الحد من ترافع غير المرخص له باشتراطه تقديم صحيفة الدعوى والمذكرات من محام مرخص له، كما سمح بقبول الدعاوى الجماعية وتوسع في عناوين تبليغ الخصوم وأجاز التلبيغ لإدارات الشركات، وأتاح للعموم الاطلاع على بيانات الدعوى بمقابل ما لم يتقدم طرفا الدعوى بطلب السرية، كذلك حصر النظر في الشركات المنصوص عليها في الفقه على شركة المضاربة فقط، وحصر دعاوى الإفلاس على ممارسة النشاط التجاري واشترط إخطار المدعى عليه بالحق قبل إقامة الدعوى وذلك وفق ما تحدده اللائحة التنفيذية. وفي ما يتعلق بتقادم الحق، فقد نص النظام على التقادم الخمسي للمطالبة بالحق ما لم يقدم المدعي عذراً تقبله المحكمة أو أقر المدعى عليه بالحق المطالب به، كما حد من المماطلة في التقاضي وذلك برفع عقوبة الغرامة للمماطل إلى 10 آلاف ريال وقرر حجية صور السندات والشهادة المكتوبة والعرف التجاري، ورفع قيمة الدعاوى غير القابلة للاستئناف إلى 50 ألف ريال، وأجاز للخصوم الاتفاق على نهائية الحكم الابتدائي. ونرى بأن النظام الجديد مواكب لطبيعة الدعوى التجارية، فهو يراعي طبيعة المنازعات التجارية، فالتعاملات تتطور وتتحدث باستمرار ويتطلب الأمر مسايرتها انسجاماً مع رؤية المملكة 2030 التي تهدف لتحقيق بيئه آمنة للاستثمار. majed201777@ [email protected]