لم يُعر «حزب الله» يوماً أي قوانين مفروضة سواء في لبنان أو خارجها أي اهتمام، فلطالما اعتبر نفسه فوق كل القوانين والأعراف، فأنشأ مليشيا تتقدم على جيش الدولة واستورد مالاً بالعملة الصعبة بعيداً عن قوانين الدولة، وعبر الحدود بسلاحه متجاوزاً كل الدولة، إلا أنه وللمرة الأولى يقف عند قانون كي يفكر به سلباً ويتحسب له كثيراً ويحتاط منه أكثر، إنه قانون «قيصر». لا ينظر «حزب الله» ومن والاه إلى قانون «قيصر» على أنه قانون أمريكي يشبه كل القوانين والعقوبات الأمريكية التي سبقته، أي يمكن إسقاطه بمظاهرة أو اعتصام أو حتى عرض عسكري ودائماً تحت شعار «الموت لأمريكا»، أو أمريكا «الشيطان الأكبر»، بل ينظر إليه كحكم ديكتاتوري بحقه (حرفياً كما ورد في بيان الحزب). للمرة الأولى يشعر الحزب وقيادته أن قراراً تنظيمياً من الولاياتالمتحدة قد أصدر بحق سجين مشاغب اسمه «حزب الله» يقضي بوضعه في السجن الانفرادي، أي عقوبة بحقه مباشرة وبحق من يتواصل معه. لا يشكل قانون قيصر بالنسبة ل«حزب الله» حالة مواجهة جديدة يجري العمل على تعبئة القواعد التنظيمية والحزبية والجماهيرية للصمود ومواجهته بقدر ما أن هذا القانون هدفه عزل «حزب الله» عن كل محيطه، وكأن ب«قيصر» يُعلق الحزب وسط غابة بشجرة، رابطاً إياه وحيداً دون ماء وطعام. في الأسبوع الماضي تجنبت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب مناقشة قانون قيصر تحت ذريعة الطلب من الوزراء الاطلاع عليه لمناقشته في جلسات قادمة، مع العلم أن قانون قيصر لو طرح كسؤال في امتحانات الثانوية العامة لأجاب عليه كل الطلاب دون تردد ودون استذكار، فكل اللبنانيين باتوا يعرفونه عن ظهر قلب. الحكومة اللبنانية لم تتجنب «قيصر» لدراسته بقدر ما تجنبته لأنها لا تملك رؤية لمواجهته، والحكومة التي يهيمن عليها «حزب الله» وحلفاؤه طالما الحزب لا يمتلك رؤية لمواجهة «قيصر» فمن أين يجلب دياب ورفاقه هكذا رؤية؟ ليس تحاملاً القول إن قانون قيصر، القانون الوحيد الذي يقرأه أو سيقرأه «حزب الله»، لن يكون ترفاً بل هو ملزم بذلك. لقد توقع الحزب، ولا يمكن استيعاب هذا التوقع، أن مغامراته في سورية والعراق واليمن ولبنان سيكافأ عليها، فإذا بعد كل ما حصل يفتح علبة الهدية ليجد فيها «قيصر».