تشهد العاصمة البريطانية لندن تحولات جذرية في بنيتها الأساسية، سيكون لها تأثير عميق في معدلات التلوث، وطبيعة جودة الحياة في شوارعها وأحيائها. وقد سعى معظم أمناء لندن خلال العقدين الماضيين إلى إحداث تغييرات سيفرد لها مكان بارز في سجل تاريخ هذه المدينة الذي يمتد أكثر من ألفي عام. غير أن عمدتها الحالي المتحدر من أصل باكستاني صادق خان وجد في وباء كوفيد-19، الذي كانت لندن الأشد تضرراً منه على مستوى المملكة المتحدة، فرصة استثنائية لتغيير جذري يجعل عاصمة الضباب محبة للدراجات الهوائية، كارهة للسيارات. فقبيل استئناف فتح متاجر التجزئة الكبرى، تلقت السلطات البلدية المحلية تعليمات بتحديد «مناطق طوابير» خارج المتاجر والمولات، مع طلاء الأماكن بعلامات واضحة، ووضع حواجز مؤقتة. وأبلغت وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي البلديات بتوسيع مساحات الأرصفة، ما سيؤدي إلى تضييق الطرق، لتمكين المارة من التقيد بالتباعد الجسدي. وتم تشجيع مجالس الحكم المحلي على فرض قيود على عدد السيارات التي تعبر الشوارع الرئيسية التي تقع بين جانبي المولات والمحلات في ما يعرف في بريطانيا بHigh Street، أو التخلص من السيارات نهائياً. والدفع باتجاه استغلال التقاطعات المرورية لتصبح مناطق للمشاة. وفي بعض مناطق لندن، خصوصاً التي يقبل عليها السياح والزوار أكثر من غيرها، تم تشجيع البلديات على إزالة المساحات المخصصة لركن السيارات في الطرق، ووضع حواجز تقتص من المسار المخصص للسيارات، وتخصيصه للمشاة، ومن يستخدمون العجلة الهوائية في تنقلاتهم. كما تقرر وضع لافتات على أعمدة الإنارة لتذكير المارة بالتباعد الجسدي. وكانت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، وهو عمدة سابق للندن، ويستخدم دراجته الهوائية في شوارع لندن، قد سمحت بإعادة فتح محلات وكالات السيارات، والأسواق التي تقام في الساحات المفتوحة اعتباراً من الثاني من يونيو الجاري. ومن المقرر أن يبدأ من 15 يونيو فتح المتاجر الخاصة بالأشياء غير الضرورية، كمتاجر الأزياء، وألعاب الأطفال، ومحلات بيع الكتب، والبضائع الإلكترونية، والمولات التجارية، والمزادات، ومحلات التصوير. إجراءات جذرية وطالب وزير النقل البريطاني مجالس البلديات بضرورة اتخاذ ما سماه «إجراء جذرياً» لتحويل المدن والبلدات إلى أماكن يسهل المشي فيها بالأقدام، أو بالدراجات الهوائية. وأضاف: في العالم الجديد الناس سيكونون بحاجة إلى مساحات أكبر. وكانت الحكومة أقرت تشريعاً استثنائياً، بسبب الجائحة، للتعجيل بإصدار أوامر طارئة تتعلق بالمرور، تسمح بتوسيع الأرصفة، واستحداث ممرات للدراجات الهوائية. وأعلنت سلاسل التجزئة الكبرى خلق مساحات أوسع لمرتاديها. وقالت متاجر ماركس آند سبنسر إن غرف تجربة الأزياء ستبقى مغلقة. وقالت سلسلة جون لويس إن غرف تبديل الملابس، والمقاهي الخاصة بمتاجرها لن تكون مفتوحة بعد استئناف النشاط في 15 الجاري. وبما أن حزب المحافظين الحاكم يضم الطبقة القديمة التي تفضل الثروة على الصحة؛ فقد سارع وزير خزانة الزعيمة الراحلة مارغريت تاتشر نورمان لامونت إلى انتقاد تلك التواجهات. وقال -في تصريحات نشرتها «ديلي ميل» أخيراً- إن فايروس كورونا الجديد يتصدر نشرات الأخبار الآن، لكن بعد 6 أشهر ستكون العناوين الرئيسية للأخبار عن الوظائف والبطالة. وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة ارتفع فيها معدل البطالة، بسبب الفايروس، إلى ما بين 15% و20%، ما يعني نحو 22 مليون عاطل. وما قد يصل إلى 30 مليوناً. وزاد: إنها كارثة اقتصادية. وأوضح لامونت، الذي كان أبرز أقطاب الخصخصة في عهد تاتشر منتصف ثمانينات القرن الماضي، أن البطالة في أوروبا وبريطانيا أقل من ذلك بكثير؛ لكن ذلك سببه أن نحو 40 مليون أوروبي ينعمون بالدعم الحكومي لوظائفهم. ويخلص لامونت إلى «أن الخطوة الوحيدة المهمة التي يتعين علينا القيام بها -بأسرع ما يمكن- هي تخفيض مسافة قاعدة التباعد الجسدي من مترين إلى متر واحد». قرارات مُضنية وانتقد وزير الخزانة المخضرم وزيرة الداخلية الحالية بريتي باتيل لإعلانها الشهر الماضي أن التباعد الاجتماعي وُجد ليبقى طويلاً. وقال لامونت إنه يقدّر أن الحكومة البريطانية تواجه اتخاذ قرار مُضْنٍ للاختيار بين رفع التدابير الاحترازية، أو مواجهة موجة ثانية من وفيات كوفيد-19، «لكن كلما طال أمد الإغلاق كان الضرر الاقتصادي أكبر حجماً، وصعُب بشكل متزايد وضعُ حدٍّ له». ومن ناحية ثانية، وفي أتون الجائحة، قامت الحكومة البريطانية بتعديل قانون المرور، بحيث يسمح باستخدام ال«سكوتر» في شوارع العاصمة الأشد زحاماً مرورياً في القارة الأوروبية. وأعلنت الحكومة أنها اضطرت لتعديل قانون المرور لسنة 1835، لأن نصوصه تمنع استخدام السكوتر، ما يعني أن القانون أضحى مانعاً للابتكار. وكانت الحكومة البريطانية بدأت التفكير بذلك قبل اندلاع جائحة كورونا. وحددت 4 مدن بريطانية، لندن ليست منها، لبدء تجارب في عام 2021 في استخدام التنقل بالسكوتر الكهربائي والهوائي. وبالطبع فإن شركات ومحلات تأجير الدراجات الهوائية تجد هذه الأيام إقبالاً استثنائياً على خدماتها. أسواق «صناعة اللغات» في أوروبا تتضرر ! قالت رابطة شركات الترجمة بالاتحاد الأوروبي إن مسحاً أجرته على فترتين خلال فبراير ومارس وأبريل الماضي أظهر أن وباء كوفيد-19 لم يؤثر كثيراً على شركات «صناعة اللغات»، بقدر ما تضررت الصناعات الأخرى، من جراء سياسات الإغلاق، وتفشي الوباء. لكن رئيس الجمعية الألماني هتيكه لينهاوزرقال إن الشركات الصغيرة تضررت كثيراً من الوباء؛ إذ إنها واجهت ضربة مالية قاسية. ومع ذلك فإن عدد شركات الترجمة واللغات التي أعلنت أنها تنوي الاستغناء عن مترجميها، بسبب انعدام الأموال، لا تتعدى نسبة 12%. وكانت هذه الصناعة تضررت نتيجة فرض سياسات التباعد الجسدي، والعمل من بعد،. بيد أن فرص انتعاش أسواق هذه الصناعة تبدو إيجابية، بالنسبة للشركات الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة. وأضاف أن بعض الشركات استطلعت عن رأيها في التكنولوجيا التي يمكن أن تعول عليها هذه الصناعة لتعزيز تعافيها من جائحة كورونا، فأجابت بأن ذلك سيكون بالتوسع في توسيع البنية الأساسية السحابية، لمساندة المستخدمين من بعد. ورأت أن تطور تكنولوجيا إدارة الترجمة الفورية، وتحديث الترجمة الآلية يمنح وعوداً مبشرة للصناعة. وتحدثت شركات أخرى عن تعويلها على «الذكاء الاصطناعي» في مجالات الترجمة، والتحرير، والترجمة الفورية. وأكد 78% من شركات صناعة اللغات أنهم سيقومون خلال العام 2020 باستخدام مكثف لأجهزة الترجمة الآلية. ويقول 35% من المترجمين في الاتحاد الأوروبي إن الانتشار المتزايد لأجهزة الترجمة الآلية يضايقهم في أرزاقهم. تنافس أمريكي أوروبي في لندن وطبقاً لبلومبيرغ، فإن المشاورات التي اختارت لها الحكومة البريطانية نحو 4 شركات، جميعها أوروبية وأمريكية، لم ترض الشركات البريطانية المتوثبة للنجاح في مجال بيع وتأجير السكوتر الكهربائي. ونقلت عن مؤسس شركة بيور إليكتريك المتخصصة في بيع السكوتر إن الشركات الأجنبية، وخصوصاً الأمريكية، تستطيع بما لها من قدرات على (اللوبي)، أن تستأثر بالنفوذ الحكومي البريطاني، وعلى وجه الخصوص شركات تأجير السكوتر الأمريكية. وكشف أن شركته تزمع فتح أكثر من 10 فروع هذا العام لبيع السكوتر الكهربائي، مستفيدة من المتاجر التي أخليت بسبب إغلاق سلسلة متاجر سايكل ريببليك. إمكان التأمين على مستأجر السكوتر وذكرت الشركات التي أطلعتها الحكومة البريطانية على خططها بذلك الشأن أن لندن شددت على أنها ستضفي الصفة القانونية على عقود تأجير السكوترات وحدها، ما يعني ضمناً أن مستخدميها يمكن تغطيتهم بوثائق التأمين. وقال باتريك ستودنر، الرئيس الأوروبي لشركة بيرد رايدز إنك، إحدى أكبر شركات السكوتر الكهربائي في العالم، إن شركته تجري محادثات مع مسؤولي الحكومة البريطانية والهيئات المختصة، وستكون جاهزة لنشر السكوتر في بريطانيا اعتباراً من يونيو الجاري. وقال مدير العمليات في لندن بشركة تيار موبيليتي ريتشارد حسن، وهي أكبر شركة ناشئة في أوروربا متخصصة في تأجير السكوتر، في مقابلة مع بلومبيرغ، إن دخول السوق اللندنية كان يشكل تحدياً كبيراً للشركات، إذ إن لندن مقسمة على 32 منطقة إدارية، كل منها تعتبر حكومة بصلاحيات شاملة. وزاد: قبل فايروس كورونا الجديد كان سيتعين علينا التفاوض مع كل من تلك المناطق الإدارية بمفردها.