نهضة الأمم تستوجب التوسع في مجالات الفكر المختلفة، ولعل من أهم أدوات هذا التوسع الصحافة التي تواكب مسيرة هذا التطور والبناء لتحقيق الهدف المنشود وهو إبراز جوانب هذه النهضة في ثوب قشيب يليق بها. ومما لا شك فيه أن الصحافة هي القلب النابض في حياة كل أمة وهي الرائد والموجه ولسان حال الأمة. في 3 ذي الحجة 1379ه الموافق 28 مايو 1960 صدر عدد «عكاظ» الأول، إذ تلقى أحمد عبدالغفور عطار خطاباً من المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر يفيده بإصدار مجلة عكاظ من مدينة الطائف. وصدر العدد الأول من الصحيفة، وكانت قيمة النسخة ربع ريال، متخذاً شكل الصحيفة وليس المجلة، مما أعجب المدير العام للإذاعة والصحافة الذي أرسل برقية إلى أحمد عطار يُفيده بالموافقة على استمرار إصدارها كصحيفة يومية. في يوم السبت 11 جمادى الثانية 1384 هجرية الموافق 17 أكتوبر 1964 ميلادية صدر العدد الأول من صحيفة عكاظ بعد أن تحولت من صحافة الأفراد إلى المؤسسات بعدد 6 صفحات وبثمن بلغ 3 قروش آنذاك، وقد كتب حينها في صدر الصفحة (عكاظ الخير عكاظ العربية المسلمة). وتعتبر «عكاظ» من أوائل الصحف اليومية الرائدة التي لامست فكر القارئ واستطاعت أن تحظى بحبه وتقديره وتشبع نهمه في تزويده بمختلف الأفكار والمقالات والطرح المميز الرصين، وبما أسهمت به على مدى ستين عاما في مجالات كثيرة واكبت التغير ومشت في ركاب التنمية وأسهمت في الحركات الثقافية والتيارات الأدبية بملاحق أدبية وثقافية راقية، كما أسهمت بطرح سياسي واع وصريح وفي نفس الوقت لم تهمل الجانب الاجتماعي والحراك اليومي للمواطن ومصالحه المختلفة. غطت أخبار المناطق ونقلت معاناتها وأعطت صورة ناصعة لما يدور هنا وهناك بصورة مميزة وعلى مستوى عال من المصداقية والمهنية والرصانة قادت الرأي العام ووجهته إلى ما فيه الخير والمصلحة. اعتمدت «عكاظ» في تاريخها على الحقائق وتحري الدقة، وكانت منبراً للتوجيه والتنوير والإصلاح الاجتماعي. من مدرسة «عكاظ» تخرج العديد من القامات الصحفية كانوا من الطليعة في قيادة العمل الصحفي والأدبي والثقافي. استكتبت على مدى تاريخها الممتد في عمق الوطن أقلاماً وطنية عديدة تحمل رؤى متباينة ذات مهنية وطرح جاد مخلص. مكنها من البقاء والاستمرار حتى اليوم قوية عصية على الهزات والتغييرات، ف«عكاظ» شمس لا تعرف الأفول. ستة عقود مضت على هذه الفاتنة «عكاظ».. تمتح من اسم ضارب في جذور التاريخ وعيًا وأدبًا وثقافة، أورقت صفحاتها بالخبر سبقًا، وبالتحليل تفرّدًا، والمقالة فكرًا باصرًا ورؤية متجاوزة.. إليها تتطلع العيون كل صباح، وتنتظرها الأفئدة شوقًا لمصافحة الجديد في عالم الصحافة.. تطوير أعقب تطويرًا، في سباق مضطرد للمواكبة التقنية، وتلبية رغبات قرائها الميامين، فكانت بحق «مدرسة» في الصحافة نهلت منها الأخريات، وتعلمت منها فنون الصحافة بالتقليد والمحاكاة والترسّم.. نجاح سطّرت حروفه أجيال تعاقبت على هذه المؤسسة العريقة، كل جيل يضع بصمته المائزة، ولبنته المتفوقة في هذا الصرح السامق.. واليوم تمضي سفينة «عكاظ» في هذا العباب المتلاطم من التحديات، بذات الصمود، والقدرة على تجاوز الصعاب، ليستمر عطاؤها المميز، وحضورها الفارق في ساحتنا الإعلامية والصحافية.. وحقًّا: «عكاظ» شمس لا تعرف الأفول.