يتعقب الناقد محمد الحرز أثر عشرين عاما على التجارب الجديدة لقصيدة النثر. ويوثق بما له من تجربة قرائية وإبداعية مسيرة 5 من رموز النص الأحدث، مستعيداً منذ أكثر من عقدين على إصدار دار الجديد في بيروت مجموعات للشعراء غسان الخنيزي في ديوانه «أوهام صغيرة» وأحمد الملا في ديوانه «خفيف ومائل كنسيان» وأحمد كتوعة «كرة صوف لفت على عجل» وعلي العمري «فأس على الرف» وإبراهيم الحسين «خشب يتمسح بالمارة» ويوسف المحيميد «لا بد أن أحدا حرك الكراسة». ويرى الحرز في أحدث دراسة له بعنوان القصيدة الحديثة مسار وتحولات الثقافة أنه طرأت خلال هذين العقدين تحولات مست من العمق البنية الثقافية والأدبية والفكرية للمجتمع السعودي. ويكاد يجزم أن تلك التحولات من فرط أثرها البالغ على ذهنية الفرد والمجتمع معا أفضت إلى ما يمكن تسميته مجازا في ما يخص الأدب تحديدا «المرايا المصقولة من الغبار». ويذهب إلى أن وضع التجارب في سياقها التاريخي لنستخلص منها ما لم تقله لنا وما قالته أيضا؛ ينبغي الوقوف على طبيعة التحولات والوظائف المختلفة التي تولدت عنها، والكشف عن انعكاس كل ذلك على تصوراتنا الفردية والاجتماعية للأدب والثقافة والإبداع على وجه العموم ثم تتبع مسارها وإلى أي مدى ذهبت الكتابة الشعرية في ادعائها بالحداثة؟ وعلى أي العناصر اتكأت في قولها بذلك؟ ويؤكد الحرز أنه لا يمكن رصد التحولات إلا من خلال المقارنة بين مختلف الأجيال في طريقة تلقيها للأدب والشعر على وجه الخصوص، وأثر ثقافتها وتربيتها وظرفها الاجتماعي على ذلك التلقي. مضيفاً أنه إذا جاز استخدام مفهوم التجييل كتحليل إجرائي فإننا نقول: الذين كان خيارهم الانحياز إلى الحداثة من جيل التسعينات - وليس جميعهم - كان الشكل الشعري المتمثل ب(قصيدة النثر) هو المثال الأسطع على هذا الانحياز، باعتبار هذا المثال تقليدا ترحّل من جيل الثمانينات إلى ما بعده من جهة، وتقليدا آخر جرى ربطه بمقولات الحداثة الشعرية على مستوى الوطن العربي من جهة أخرى، رغم اختلافهما في درجة الانحياز وطبيعته. وتساءل ما هو الشرط الثقافي الذي من خلاله تم استيعاب القصيدة الحديثة ومن ثم ممارستها عند هؤلاء باعتبارها ممارسة في نظر المجالين الثقافي والاجتماعي تشير إلى عنوان كبير هو الحداثة؟ مؤكداً أن ما يعنيه بالشرط الثقافي هو مجمل الأسباب التي تجعل هذا المبدع أو غيره ينحاز إلى هذا الشكل الشعري أو ذاك مرجحاً أن مجمل هذه الأسباب ثقافية بالدرجة الأولى. ولفت إلى أن مفهوم التحرر- على سبيل المثال- الذي اكتسب أهميته من خلال ارتباطه الوثيق بالحركات التقدمية في العالم العربي أصبح العامل الأكثر تأثيرا على فكرة التحديث السياسي والاجتماعي والثقافي في عموم الشام والعراق. إلا أنه بتسلله إلى ثقافتنا المحلية، كان أكثر ما كان ارتباطه على مستوى النص الأدبي تحت مسمى مفهوم الحرية الإبداعية الذاتية، مشيراً إلى أن ثمة بونا شاسعا بين مفهوم الحرية والتحرر إذ يعكس كليهما طبيعة البيئة الثقافية والاجتماعية لحظة تلقي المفهومين. فالحرية هنا سرد ذاتي في حدود النص بينما التحرر هناك سرد التجربة الاجتماعية في حدود المفهوم. وعدّ الرهان على القصيدة الحديثة والمغامرة في كتابتها محققاً شرط الحرية ويمنحها معناها العام في الوعي الشعري عند كتابها، ما أسهم في تكريس المعنى متمثلاً في خلو الكتابة من إكراهات التجنيس والسلطة والتوظيف. ويذهب إلى أن محصلة الأمر تجلت في حصرها بالهامش مقارنة بالأشكال الأخرى من الكتابة. لذلك كانت تجاربهم بقدر ما كانت ترصد وعيهم الذاتي وإحساسهم الجمالي بما توفره لهم اللغة من إمكانات هائلة في الكتابة بقدر ما كانوا يغذونها باللقاءات الخاصة من جانب، وبالبحث عن مرجعيات تخص عالم الكتب والمكتبات من جانب آخر.