تعكس التحية إحدى أجمل أبعاد الثقافات.. وأروعها «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» بكل ما تحمل من معانٍ جميلة سامية... والسؤال عن الصحة من التحايا الجميلة ومنها المعنية بالصحة النفسية وعلى سبيل المثال فهناك تحية أفريقية تستفسر عن الأحلام... كيف أحلامك... ولكن الأجمل منها تستفسر عن الصحة بمفهومها الشامل... إيش لونك... عبر التاريخ كانت ولا تزال ألواننا تعكس حالتنا الصحية. وموضوع الألوان والصحة يستحق وقفة تأمل. لو نظرت إلى اللوحات الفنية التاريخية الملونة ما قبل التصوير الفوتوغرافي ستجد أن بعض الألوان كانت محصورة على لباس الطبقات العليا في المجتمعات. وكمثال فضلاً انظر في اللون الأحمر الغامق «العودي». لن تجده ضمن لباس الطبقات الكادحة، ولا حتى الطبقات المقتدرة، فكان محتكراً من أعلى الطبقات الأرستقراطية وأقواها على الإطلاق. وكانت التكلفة المرتفعة جداً في مقدمة الأسباب نظراً لاستخراج جميع الألوان من المصادر الطبيعية: من المعادن، والنباتات، والحيوانات البرية والبحرية والطيور والحشرات. وكمثال فاللون الأحمر كان ينتج من صبغة تستخرج من كائنات بحرية نادرة وكانت تستخرج بصعوبة بالغة من مكانين أساسين في العالم: على شواطئ طرابلس في لبنان والمغرب الشقيقتين. وكانت كمياته قليلة جداً وبالتالي فكان أغلى من الذهب. وأما ألوان الطبقات الكادحة فكانت تخضع لتوفر الصبغات منخفضة التكلفة وفي مقدمتها اللون البني. وطبعا موضوع المقال أكبر من هذا فقد لعبت الألوان أحد أغرب الأدوار في صحة البشر وإليكم بعضاً من أهم التفاصيل: بنهاية القرن التاسع عشر اكتشف العالم الإنجليزي «وليام بركنز» بالصدفة آلية تصنيع الصبغات. وتغير عالم الكيمياء، بل وتغير العالم بأكمله: دخلت الشركات الكبرى هذا المجال بقوة، وبالذات الشركات الألمانية التي كانت تتمتع بشراكات حكومية قوية، وريادة في علم الكيمياء لأن ألمانيا كانت في قمة ذلك المجال. وأصبحت الصبغات رخيصة ومتوفرة بخيارات لم يتخيلها أي أحد: برتقالي.. أحمر.. أصفر.. أزرق.. أخضر.. أورجواني.. كلها موجودة، وبدرجات متفاوتة وتطبيقات مختلفة.. ملابس.. معادن.. أخشاب.. ورق.. زجاج.. كله ماشي.. ولكن أغرب التطبيقات جاء في الثلاثينات من القرن العشرين فقد اكتشف العالم الألماني «بول اير ليك» أن بعض الصبغات «تتشعبط» على بعض الخلايا دون الأخرى. وهنا نبعت فكرة عبقرية وهي ضرب الميكروبات بالسموم الموجهة من خلال وضعها على الصبغات التي على أسطحها. وللإيضاح فكانت ضربة معلم علاجية تعادل الهبوط على سطح القمر. لأول مرة في التاريخ تم تصويب العلاج نحو الهدف المعني (الميكروب) دون أذية الخلايا الآدمية. ومهد ذلك الطريق لتطوير المضادات الحيوية المختلفة. وإلى يومنا هذا يتم التعرف على بعض الميكروبات، ومحاربة بعض منها باستخدام صبغات الألوان المختلفة. وسطع نجم أهم شركة فأصبحت الرائدة في هذا المجال.. واسمها «باير». أمنية سبحان الله أن عالم الألوان لا يقتصر على الفن والجمال فحسب فهو من مكونات العلاج أيضا. والله أعلم أن علاج جائحة فايروس كورونا الكبرى قد يكون نابعاً من الألوان. أتمنى أن لا ننظر للأصباغ بأنها مجرد ألوان، فقد وضع فيها الخالق عز وجل بعضاً من أروع الأسرار. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي