على الأرجح أن عاصفة كورونا لن تهدأ قبل أن تقلب الموازين. فقد نجحت هذه الجائحة حتى الآن في تحويل الأنظار وتحويل الجهود باتجاهات جديدة، والأهم أنها نجحت في إعادة ترتيب أولويات الدول والمؤسسات العالمية. فالجيوش نزلت إلى الشوارع لفرض حظر التجول بسبب كورونا، والأمن يستنفر لضمان تطبيق إجراءات منع التجمعات والاختلاط للحد من تفشي فايروس كورونا، الصناعة تحولت خطوط إنتاجها لتصنيع أدوات الوقاية الصحية والنظافة الشخصية منعا للإصابة بفايروس كورونا، الإعلام أصبحت نشراته الرياضية والسياسية والاقتصادية ومواده الترفيهية عن كورونا، السياحة أوقفت برامجها وحولت منتجعاتها وفنادقها وشققها إلى مأوى للمصابين بسبب فايروس كورونا، حتى القطاعات الصحية حولت أغلب عياداتها لمكافحة كورونا. هناك تحولات كبيرة على صعيد التحالفات الدولية القائمة والتي سيتعزز بعضها، ولكن من المؤكد أن هناك تحالفات جديدة ستظهر. بل إن هناك تغيرات إيجابية كبيرة على صعيد البيئة والمناخ بدأت تظهر وبشكل ملموس في أكثر من إقليم. السؤال إلى متى ستستمر هذه التحولات وإلى متى ستظل تلقي بظلالها على مختلف الإستراتيجيات في العالم والإستراتيجيات والأهداف لكل بلد؟ بلا شك أن هناك بعض تلك التغيرات أو التحولات إيجابية يجدر الحفاظ عليها وتنميتها، وفي المقابل فإن هناك تحولات قد لا تصمد لارتباطها بالجانب الاقتصادي والسياسي. إنما على الصعيد المباشر بوباء كورونا فقد برز دور إستراتيجي حيوي وبالغ الأهمية لهيئة الغذاء والدواء، يتجاوز بأهميته وحيويته الدور التقليدي المهم لوزارات الصحة. لقد أصبح دور هيئة الغذاء والدواء في المملكة وفي كثير من دول العالم محط أنظار السياسة والاقتصاد والصحة والصناعة والتجارة والإعلام، بدأ من مراقبة الغذاء وتصنيع الكمامات والمعقمات والكواشف المختبرية الخاصة بالكشف والفحص والحماية من كورونا وأجهزة التنفس والمواد الطبية، وانتهاء بالمختبرات الطبية ومراكز الأبحاث الطبية في رحلة البحث واستكشاف علاجات كورونا وإجراء التجارب على الأمصال و التطعيمات للوقاية من الفايروس. ولتسليط الضوء أكثر على الموضوع، قامت هيئة الغذاء والدواء السعودية بالتنسيق مع بعض الجهات بزيادة عدد مصانع المعقمات من 13 مصنعاً إلى 35 مصنعاً، حيث بلغت الطاقة الإنتاجية في الأسبوع أكثر من 1.441.730 لتراً، وزاد عدد مصانع الكمامات إلى 8 مصانع تنتج أكثر من 3.510.000 كمامة أسبوعياً، كما قامت بآلاف الجولات التفتيشية على منشآت الغذاء ومنشآت الدواء ومنشآت الأجهزة الطبية ومنشآت المبيدات، وتبعاً لذلك أوقفت العشرات من المنشآت المخالفة. ناهيك عن جهود الهيئة من خلال التحليلات التي تجريها في مختبراتها على المنتجات الغذائية والدوائية والمعقمات والأجهزة الطبية ومراقبة المصانع والمستودعات، إضافة إلى مراجعتها لبروتوكولات التجارب السريرية المتعلقة بالمرض، ودورها في منح فسح أذونات الإستيراد لتلبية حاجة السوق السعودية ودعمها بكميات كافية. كل هذا جعل هيئة الغذاء و الدواء تحت المجهر وفي عين العاصفة، مما ألقى وسيلقي بمسؤوليات جسام على كادر الهيئة حاضرا ومستقبلا، جراء بطولة الهيئة في مسلسل كورونا. وهذا الاعتماد المتزايد سيجعل لهيئة الغذاء والدواء شأناً كبيراً في المستقبل ويعيد تموضع الهيئة لتكون أهم من وزارة الصحة. * كاتب سعودي [email protected]