كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، لقبه الأصمعي، ويكنى بأبي سعيد ولد في البصرة سنة 121 ه وتوفي بها سنة 211 ه تقريباً، راوية العرب، وأحد أبرع علماء اللغة والشعر والبلدان. كان هارون الرشيد يسميه ( شيطان الشعر) لوفرة وجودة وندرة ما يحفظ. وكتب المستشرق الألماني وليام أهلورد كتابا أسماه (الأصمعيات) جمع فيه ما تفرّد به الأصمعي من قصائد.