يرى البعض أن الأحداث التي حصلت في الأيام القليلة الماضية من هبوط حاد في الأسواق العالمية مما حد بالفيدرالي الأمريكي للقيام بتخفيض نسبة الفائدة بخمسين نقطة وربما هناك خفض آخر للفائدة قادم، والحوافز الحكومية التي قامت بها العديد من الدول سواء للقطاع المالي أو القطاع التجاري بسبب انتشار الفايروس العالمي كورونا ما هي إلا سيناريوهات مشابهه لإحياء ذكرى الأزمة المالية لعام 2008 والركود العظيم. المعطيات مختلفة تماماً عما كانت عليه في أزمة 2008، ما يحدث اليوم نستطيع أن نطلق علية كارثة طبيعية أدت إلى حدوث أزمة على جميع المستويات الاقتصادية؛ لأن الكثير لم يتوقع حدوث أي شيء من هذا القبيل قبل بضعة أشهر ماضية، والسبب في الأصل لم يتخيل أحد في ظل التطور التكنولوجي والصحي أن يكون هناك فايروس يخرج عن السيطرة ونحن في القرن الواحد والعشرين حتى كبرى الدول تعجز عن مكافحتة. الأزمة التي حدثت في عام 2008 هي أزمة مالية من الدرجة الأولى تعاملت معها الحكومات بأدوات السياسات النقدية بالدرجة الأولى، وذلك إما بتخفيض نسب الفائدة أو بضخ أموال عن طريق التيسير الكمي (طباعة النقود)، الأزمة التي خلقها هذا الفايروس على مستوى الاقتصاد هي أزمة عرض وطلب في نفس الوقت، ولكن يغلب عليها جانب الطلب أكثر من العرض، وهذا الأمر اقتصادياً يعد من أصعب الأمور التي تواجه الاقتصاديين على وجه الخصوص والحكومات على وجه العموم، ظنت البنوك المركزية أن السياسة النقدية التي مارستها في عام 2008 ربما تنجح مرة أخرى هذه الأيام ولكنها أكدت فشلها، ولو أخذنا على سبيل المثال على الرغم من خفض نسب الفائدة إلا أن أسعار السندات انخفضت أيضاً في ظاهرة تعتبر معاكسة لما هو متعارف عليه في دليل واضح أن ما كان مناسباً من سياسات في عام 2008 غير مناسب للأزمة الحالية، إضافة لذلك هذا الخفض في نسبة الفائدة زاد «الطين بلة» بدلاً من أن يطمئن الأسواق زاد هلعها؛ لأنه يعطي إشارة على عمق الأزمة الحالية ويزيد التخويف من تداعيتها وطول أمدها، هذا بدوره أعطى انطباعاً أن محافظي البنوك المركزية يفتقرون إلى أبسط مقومات تحليل الأحداث التاريخية. ما يزيد الأمر تعقيداً هو أنه من الصعب تحليل الأثر الاقتصادي لما يحدث الآن؛ لأننا -تاريخياً- لم نشهد أمراً كهذا من قبل على الأقل في القرن العشرين والواحد والعشرين حتى نستطيع الاستناد عليه في تحليل هذه الأحداث اليوم، إضافة إلى ذلك ما المدة التي سيستغرقها العالم في إيجاد لقاح لهذا الفايروس، ولو أخذنا فقط السندات الأمريكية على سبيل المثال لم تشهد نزولاً إلى أقل من 1% في أي وقت مضي حتى في الكساد الكبير عام 1929 كان أدنى عائد للسندات طويلة الأجل هو حوالى 2%؛ لذلك نحن اليوم في منطقة مجهولة تاريخياً. باختصار شديد كل المحفزات الاقتصادية التي تقوم بها الدول ما هي إلا مسكنات مؤقتة، وسيظل العالم في ربكة اقتصادية في ظل عدم وجود لقاح لهذا الفايروس. * كاتب سعودي Alhazmi_A@