الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشاعرات: تُماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، الرياحية السُّلَمية، من بني سُليم، من قيس عيلان، من مضر، أشهر شواعر العرب، من أهل نجد، عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام. وفدت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع قومها، فكان رسول الله يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول: هيه يا خنساء (أو يا خناس)! أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها (صخر ومعاوية) وكانا قد قتلا في الجاهلية. أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، أنشدت في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت «رائيتها» التي رثت بها صخر، وقالت فيها: قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ أمْ ذرَّفتْ إذ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ أستارُ تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا إذْ رابهَا الدَّهرُ إنَّ الدَّهرَ ضرَّارُ يا صَخْرُ وَرّادَ ماءٍ قد تَناذرَهُ أهلُ الموارِدِ ما في وِرْدِهِ عارُ مشَى السّبَنْتى إلى هيجاءَ مُعْضِلَة لهُ سلاحانِ: أنيابٌ وأظفارُ لاَ تسمنُ الدَّهرَ في أرضٍ وَإنْ رتعتْ فإنَّما هيَ تحنانٌ وَتسجارُ يوْماً بأوْجَدَ منّي يوْمَ فارَقني صخرٌ وَللدَّهرِ إحلاءٌ وَإمرارُ وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُنا وإنّ صَخْراً إذا نَشْتو لَنَحّارُ وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهداةُ بهِ كأنَّهُ علمٌ في رأسهِ نارُ جلدٌ جميلُ المحيَّا كاملٌ ورعٌ وَللحروبِ غداةَ الرَّوعِ مسعارُ حمَّالُ ألويةٍ هبَّاطُ أوديةٍ شهَّادُ أنديةٍ للجيشِ جرَّارُ فقلتُ لمَّا رأيتُ الدَّهرَ ليسَ لهُ معاتبٌ وحدهُ يسدي وَنيَّارُ لقدْ نعى ابنُ نهيكٍ لي أخاَ ثقةٍ كانتْ ترجَّمُ عنهُ قبلُ أخبارُ فبتُّ ساهرةً للنَّجمِ أرقبهُ حتَّى أتَى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ