قبل نحو شهر، ينقصُ أو يزيدُ قليلاً، وتحديدا في 3 فبراير، احتفل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه بالذكرى ال45، لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم (ديسمبر 1898- فبراير 1975). وللحقيقة، كنت في المرحلة الابتدائية لا أطيق مشاهدتها على التلفزيون السعودي الذي كان يعرض على شاشته قبل ظهور جهيمان عام 1980، الكثير من الأغنيات لفنانات عربيات، بينهن سيدة الغناء العربي، فقلت لأحد معلميّ الذي كان يعشق صوتها: كيف تستمع هذه الأغاني الطويلة لأم كلثوم؟ فردّ: حين تصل للمرحلة المتوسطة ستفتن بها، وذلك بالفعل ما حدث. أول شريط كاسيت وقع في يدي كان لأغنية «حسيبك للزمن»، وتوالى العشق الكلثومي، فات الميعاد، غلبت أصالح في روحي، يا اللي كان يشجيك أنيني، حديث الروح، وسواها من تلك الأغنيات التي لم تكن مألوفة عند كثير من شباب هذه الفترة، لاسيما ما يسمى «الطقاطيق»، وأغنيات الأفلام ك«رابعة العدوية» التي كتب كلماتها طاهر أبو فاشا، إذ حضرت «الست» بصوتها في ذلك الفيلم من بطولة فريد شوقي، وحسين رياض، ونبيلة عبيد، بعد أن صورتْ سينمائيا 6 أفلام تقريباً، قبل أن تتفرغ لمشروعها الغنائي. من الأحداث الطريفة أن أغنية «أنساك» كان من المفترض أن يلحنها الموسيقار محمد فوزي الذي ظل يحلم بالتعاون معها، إذْ كان برفقته شاب صغير في العشرينات من عمره يتتلمذ على يديه، وذات يوم أخذ يدندن لحنا للأغنية فذهل محمد فوزي من هذه العبقرية، فاتصل فوراً بأم كلثوم، وقال لها: هناك وجه جديد سيلحن العمل، ولست أنا، وكان الشاب بليغ حمدي، الذي وقف وراء الكثير من روائعها الخالدة فيما بعد، مثل «بعيد عنك» و«سيرة الحب» و«كل ليلة وكل يوم» و«حب إيه» و«حكم علينا الهوى» «أنا وانت ظلمنا الحب»، ولا يمكن لأحد أن ينسى عبقرية القصبجي، ورياض السنباطي، وزكريا أحمد. حتى المترجم عن الفرنسية، والشاعر الفصيح أحمد رامي الذي تحوّل معها إلى كاتب أغانٍ بالعامية. هذه السيدة الاستثنائية التي يقال إن العرب لم يتفقوا على شيء كاتفاقهم على عبقرية صوتها الذي ربّى الوجع، وصاغ الوجدان العربي من المحيط للخليج.. لا شك أن الحديث يطول عن صاحبة العصمة «فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي» تلك التي كانت حرقة الآه تمدّها فتنكأ جراح المحبين. ولا أحسب أن هذا الصوت الخالد سوف يكفّ عن مواساة ومنادمة العاشقين حتى يرث الله الأرض ومن عليها. * شاعر وكاتب سعودي